هل باتت العلاقات الفلسطينية تحكمها العداوة، وخصوصا بين الحركتين الكبيرتين "فتح" و"حماس"؟ وهو ما يعني أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني تتخلل العلاقات بينهما حالات من العداوة والكراهية والنفور..! هذه العداوة والكراهية خطورتها أنها بدأت تتجذر في العلاقات المجتمعية..!
وتثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذه العداوة، وتداعياتهاالخطيرة؟
هذه العداوه كفيلة بإنهاء القضية. بداية هذه الحالة تعني أن السياسة التي تسود بعيدة عن العقلانية والحكمة والتدبر، فالسياسة بالمعنى العام تعني المنفعة والمصلحة العامة، والفعل والقرار الرشيد الذي يحقق الأهداف العامة، وكما يقول إبن المقفع فى كتابه "كليلة ودمنة" تعني الحكمة، وحسن التدبير، وإجادة التقدير، وإدراك العواقب وإتقاء الشرور والمخاطر.
السؤال هل هذا المعنى هو الذي يحكم العلاقات بين الحركتين الرئيسيتين؟
لم تقتصر العلاقات بين الحركتين على مجرد الخلافات في الآراء والتوجهات والمرجعيات السياسية، بل تعدت العلاقات إلى حد الدخول في سجال وحرب لفظية وإعلامية، وإستخدام مفردات خطابية تجاوزت حدود المنفعة والمصلحة العامة، وكأننا أمام حركتين لا تنتميان لنفس الشعب ونفس القضية، ويواجهان نفس الأخطار والتهديدات، والمفارقه أن الخطر الذي يواجه الحركتين واحد، الخطر والتهديد الذي تشكله إسرائيل والحركة الصهيونية. ومع ذلك هناك تباين واضح في هذه المسألة وكيفية التعامل معها. ولا أبعد كثيرا عن الحقيقة المؤلمة إذا أشرت أن هناك تحولا وتباينا في التعامل مع هذه المسألة.
والمؤلم في هذه العلاقات أمران: الأول مستوى وعمق الخلافات، فهي خلافات لا تخضع لإطار سياسي أو شرعية ملزمة لكل منهما. فكل منهما يخلق شرعيته، وهذا أخطر ما في الخلافات بينهما، فلهذا دلالات سياسية عميقة، فالخلاف هنا بنيوي، له بعد أيدولوجي وعقيدي يصل لحد إلغاء الشرعية الأخرى، ما يجعل كل منهما قد يذهب إلى ليس فقط التشكيك، بل التخوين والتكفير والإقصاء. وكل منها يتعامل، دفاعا عن شرعيته، بلغة التهديد أن الشرعية الأخرى تشكل خطرا وتهديدا قد يصل إلى حد إعتبار كل منهما يصل لدرجة العداء.
وما يدعم هذا التوجه أن الخلافات لا تتوقف على لغة الخطاب، بل اللجوء إلى حظر أي تعامل لأبناء الحركتين كل منهما في المنطقة التي يسيطر عليها، ويتحكم فيها، وصلت الامور في التعامل لنفس الأساليب التي تلجأ إليها إسرائيل، من إعتقال، وفرض رقابة صارمة، وإعتبار من يتصل بحركته يصل لدرجة العمالة، وهذه كلها من مظاهر العداءـ او محاولة خلق عدو ذاتي داخلي، وهو ما ينذر بتأصيل حالة الإنقسام السياسي، وسيادة مظاهر التشدد في الحكم، وتراجع منظومة الحقوق والحريات، مع تراجع دور القوى السياسية الأخرى، وتقليص دور المؤسسات المدنية..!
هذه الظاهرة، وهنا الخطورة الكبيرة في حالة العداء وينبغي التحذير منها، انها لا تقتصر على خطاب النخبة الحاكمة أو السياسية لكل منهما، بل قد تمتد وتنتشر بين المنتمين لكل منهما. وتتحكم في العلاقات المجتمعية، وتحول المجتمع لحالة من العداء غير المسبوقة، وتعبر عن نفسها في ظواهر ومناسبات كثيرة تتعلق حتى بالزواج والمصاهرة، وتحكمها أيضا حالة من عدم الثقة، وتخفي حالة من الكراهية والحقد. وهذه الظاهرة كفيلة بإجهاض الروح المجتمعية الواحدة، والنسيج الإجتماعي الذي تفاخر الفلسطينيون بوحدانيته، وتماسكه.
ويمكن تلمس ظاهرة العداء في الخطاب الديني الذي يصل لحد التكفير، والخطاب الإعلامي الذي يحمل مفردات إعلامية تنفي الآخر، وفي التربية التعليمية والأسرية.
ولقد ساهمت قوى خارجية في تغذية روح العداء الذاتية، والهدف الإستراتيجي للعداوة الذاتية التخلص من القضية الفلسطينية بأقصر الطرق، وأقل الاثمان السياسية.
ويبدو ان هنك بعدا وترسبات تاريخية تغذي حالة العداوة، وذلك مع قيام السلطة واللجوء لآساليب القمع والإعتقال، وكتم الحريات، والملاحقات وهي نفس السياسات التي تمارس اليوم كل في منطقة حكمه وسيطرته. وزادت مع مرحلة سيطرة "حماس" على غزة والتمهيد لها.
هذه الظاهرة تحتاج لمراجعة نقدية ذاتية، والتصدي لها بإسترجاع القيم الوطنية، ومراجعة كاملة للخطاب العدائي، والعمل على تنمية وتغذية الخطاب التصالحي، ظاهرة العداء أحد أهم وأخطر تداعيات الإنقسام السياسي.