من الضروري أن لا تمر التطورات الأخيرة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية خصوصا والمنطقة عموما دون أن يحدث "صدمة سياسية" مؤثرة في الوعي السياسي للنظام السياسي الرسمي الفلسطيني الحالي.
من إعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال الاسرائيلي من قبل الإدارة الأمريكية، وإقرار قانون القومية الاسرائيلي، والعمل على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تصفية وكالة الغوث الدولية ووقف المساعدات للمؤسسات الدولية العاملة في فلسطين وسحب الإعتراف السياسي بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل الإدارة الأمريكية، والتعامل مع قطاع غزة كحالة منفصلة سياسياعن الضفة والقدس، الى قضية الجولان السوري والقرار الأمريكي بالاعتراف بـ"السيادة الإسرائيلية" عليه كجزء من تلك الخطة "الترامبية"، الى سياسة الاستيطان والتهويد للأراضي الفلسطينية المحتلة، واخيرا وليس آخرا، اعلان تشكيل الحكومة "الفصائلية" ومن لون واحد، كل هذا، والسلطة الفلسطينية الرسمية "بشقيها" غارقة في اوهام السلام والعجز واليأس والبحث عن المصالح الفئوية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
"الصدمة السياسية".. التي من شأنها ان تؤدي إلى الوعي والإدراك من قبل السلطة السياسية الفلسطينية لماهية وأبعاد الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي ومن وراءه الامبريالية الامريكية، وضرورة تغليب العام الفلسطيني على الخاص الفصائلي.
"الصدمة".. التي من شأنها ان تؤدي إلى مراجعة نقدية حقيقية للتجربة السياسية الفلسطينية واستخلاص الدروس والعبر، والوقوف عند الاليات الوطنية والكفاحية في نصرة قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، أي دعم الاجندة الفلسطينية الخالصة على حساب الاجندات الاقليمية الاخرى.
"الصدمة".. التي تؤدي إلى عودة السلطة الفلسطينية الرسمية بشقيها (الفتحاوية والحمساوية) إلى جادة الصواب في العمل السياسي الوطني والمجتمعي والمقاوم البرنامجي: أي العودة إلى الشعب الفلسطيني وخياراته الوطنية، إلى إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني على أساس ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة كل أطياف العمل السياسي و المجتمعي الفلسطيني و يساهم في صنع و صياغة القرار السياسي.
"الصدمة".. التي تؤدي إلى تغيير قواعد العملية السياسية وإعادة بناء العلاقات والتحالفات بما يخدم القضية الفلسطينية وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، والتركيز على الإنسان الفلسطيني وصهر طاقاته الكامنة وتوفير اليات شحذها وانطلاقتها عبر توفير كل عوامل النهوض والروافع الوطنية والعمل على تحريره وتحقيق كرامته، فلا قيمة أبداً لأي عمل سياسي و برنامجي اجتماعي لا يؤدي بالنتيجة إلى تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه وتحقيق الحرية والكرامة والاستقلال الوطني للإنسان الفلسطيني.
وبعد ظهور ملامح "صفقة القرن المزعومة"، اتضح أن القيادة الفلسطينية الرسمية تعرضت لواحدة من أكبر عمليات الخداع والوهم السياسي في التاريخ المعاصر من قبل الإدارة الأمريكية، حيث لم يكن تحقيق السلام يوماً هدف من أهداف الحركة الصهيونية والإدارة الأمريكية، ولكن كان الهدف الأساسي دائماً إدارة الصراع العربي الإسرائيلي والإبقاء على حالة الحرب وعدم الإستقرار التي تضمن تدفق الأموال والموارد العربية باتجاه الغرب وأمريكا.
هذه "الخطة السياسية الترامبية"، والتي بدأت بالتطبيقات العملية وترسيخ "الحقائق السياسية"، قبل الاطلاع عليها، ومن ثم صياغتها وفقا للنتائج الملموسة على الارض، وفق نظرية وسياسة "الامر الواقع" وعلى ردات الفعل فلسطينيا واقليميا ودوليا.
سياسة خطيرة وماكرة تبدأ بالتطبيقات الملموسة ومن ثم حصاده لصياغته ضمن خطة مرتقبة لـ"السلام" في المنطقة، والقول: هذا هو الواقع الجديد ويجب التعامل معه..!
ومع كل خطوة تنفيذية على الارض، لا تملك السلطة السياسية الرسمية الفلسطينية ولا قيادة غزة السياسية الحمساوية سوى اصدار بيانات الشجب والاستنكار وتوصيف المخاطر السياسية المترتبة على كل خطوة تصفوية للقضية القلسطينية.
مواقف تكشف أن "القيادة السياسية" بشقيها "الرسمية والحمساوية" بعيدة كل البعد عن شعبها وقضيته الوطنية، وما تبحث عنه تلطيف الاجواء السياسية والرأي العام الفلسطيني والحصول على بعض المكاسب الفئوية والفصائلية الضيقة، امارة هنا.. ومخترة هناك..!