تردد إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق كثيرا في الترشح للإنتخابات البرلمانية السابقة، التي جرت في التاسع من نيسان/ إبريل الماضي (2019). لكنه خلع باب الظل، الذي كان يعيش خلفه طيلة السنوات الست الماضية يوم الأربعاء الماضي الموافق 26 حزيران/ يونيو الحالي (2019)، عندما عقد مؤتمرا صحفيا مع شركاء جدد له، واعلن عزمه على تشكيل حزب جديد، لم يعلن عن اسمه حتى الآن غير انه وعد إشهار إسم وبرنامج الحزب لاحقا بحد اقصى خلال إسبوعين، الذي بات من المؤكد، ان هدفه الأساس يتمثل بإسقاط نتنياهو وحكومته وإئتلافه الحاكم. لا سيما وان بيانه الأساسي في مؤتمره الصحفي تركز على ضرورة إسقاط بنيامين نتنياهو الفاسد. وقال باراك له، كفى، عليك العودة للبيت، إنتهى عهدك، ولم يعد مجديا بقاءك في سدة الحكم. وأضاف حتى اقرب المقربين منك في الليكود، يعلمون انك بت عبئا عليهم، وعلى الدولة.
هذا الإشهار لرئيس حزب العمل الأسبق ورئيس حزب الإستقلال المنحل عام 2013 ليس حدثا دراماتيكيا، ولكنه ليس تطورا ثانويا في المشهد الحزبي الإسرائيلي، لإنه يحمل بالضرورة تداعيات على قوى ما يسمى ب"يسار الوسط"، حيث سيغرف من اوساطها اصوات ناخبيه، وبالتالي سيؤثر على حجومها وعدد مقاعدها في الكنيست ال22 المقرر عقد إنتخاباتها في 17 ايلول/ سبتمبر القادم (2019)، بغض النظر عن عدد المقاعد، التي سيحصدها، تشير بعض الإستطلاعات لحصوله على ستة مقاعد. وهو ما يعني ان نزوله للميدان الحزبي سيؤثر على كل من حزب العمل، وحزب ميرتس وايضا على تكتل أزرق ابيض بالمعايير النسبية، وقد يقنع بعض الناخبين من اليمين الصهيوني المتضرر من بقاء بيبي على رأس الحكم في إسرائيل، التي أزكمت انوفها روائح قضايا الفساد المعروفة والمعلنة ضد زعيم حزب "اللبكود".
وكما اعلن باراك وشركائه نائب رئيس هيئة الأركان السابق، يئير غولان، ويفعات بيتون، أستاذة القانون، وكوني ريختر، رجل الأعمال في المؤتمر الصحفي، من الممكن ان يكون حزبهم جزءا من إئتلاف اوسع مع القوى المذكورة اعلاه، وغيرها من الأحزاب الصهيونية وحتى الحريديم المستعدة للعمل لإسقاط رئيس حكومة تسيير الأعمال الحالي. بتعبير آخر لم يحصر باراك نفسه في الدائرة الضيقة لإحزاب وكتل "يسار الوسط"، بل فتح الباب واسعا لتحالفات اوسع لبلوغ هدفه، وهو هزيمة الملك الفاسد، الذي عاث فسادا في مركبات النظام السياسي الإسرائيلي، والدولة ككل، وساقها إلى مستنقع آسن، ومفضوح، ولم يستر على عوراتها، وغير القانون والقضاء لتحقيق هدف اساسي، هو البقاء في الحكم، والتهرب من دخول السجن.
وشكل إعلان وزير الحرب الأسبق عن تشكيل حزب نقلة جزئية في إستطلاعات الرأي لصالح كتل "يسار الوسط"، حيث إرتفع نسبة الداعمين لها في اوساط الشارع، ومنحها إمكانية الحصول على 62 نائبا في الكنيست القادمة. غير ان هذة النسبة ليست نهائية، وقد تتغير سلبا أو إيجابيا بقدر ما تتمكن تلك القوى والكتل من ترتيب وتنسيق جهودها لإسقاط الهارب من وجه العدالة بإسم "القانون"، ونتيجة تأجيل المستشار القضائي للحكومة مندلبليت توجيه الإتهام لرئيس حكومة تسيير الأعمال لشهر تشرين اول / إكتوبر القادم (2019)، ولحصوله على دعم من القوى الصهيونية اليمينية المتطرفة والفاشية.
لكن صدى خربشات العائد من جديد للحلبة السياسية، ايهود باراك المعروف بانتهازيته، وتردده، سيبقي الرهان عليه ملتبسا وضبابيا عند الأوساط الحزبية الإسرائيلية، التي خبرته عن قرب خلال ترؤسه للحكومة بين اعوام 1999/ 2001. مع ذلك لن يؤثر هذا الإلتباس على أن باراك حسم امره بالوقوف ضد شريكه وخصمه السابق والحالي بيبي، بعدما تيقن بأن الغالبية الساحقة في الساحة الحزبية والسياسية الصهيونية معنية بدفع رئيس الحكومة الفاسد إلى غرفة السجن. ولو لم يكن (باراك) متأكدا من ذلك، لما اقدم على خطوته، كما فعل في الفترة القريبة الماضية، عندما لم يغامر بالمشاركة في اي من القوائم، التي نافست إئتلاف اليمين الصهيوني المتطرف، كما "كاحول لافان" او حزب "العمل".