دولة الإستعمار الإسرائيلية تمضي بخطى حثيثة نحو الإنغلاق على الذات، والعودة إلى مربع الجيتو المتزمت، لإنها لم تعد تقوَ على الإستماع للرأي الآخر، وبات الخطاب الشعبوي اليميني والحريديمي المتطرف سيد المشهد. ومع كل يوم تتعمق أزمتها مع إنعزاليتها. حتى القضاء يعاني من أزمة أخلاقية وقيمية، ويبتعد عن كونه قضاءا مستقلا، وأصبح جزءا من اداة النظام الإستعماري، وإرتد إلى منحى ومستنقع التشريع لموبقات الحكومة الأكثر عنصرية في تاريخ الدولة الكولونيالية.
يوم الثلاثاء الماضي الموافق 5/11/2019 اصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا بطرد ممثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمر شاكر، أميركي الجنسية بذريعة انه ينشر بوستات، ويكتب تغريدات تتناغم مع حركة المقاطعة الأممية BDS، لذا رفض قضاة المحكمة نيل هاندل، ونوعام سولبرغ وياعيل فيلنر إلتماس شاكر ومنظمتة، وقرروا أن "لا شائبة تعتور قرار وزير الداخلية، أرييه درعي في عدم تجديد تصريح الإقامة لشاكر." وهو ما يدلل مرة اخرى، على سقوط القضاء في خدمة المشروع الكولونيالي، وجزء من أدواته في محاربة حقوق الإنسان، والمنظمات المحلية والأممية المختصة في هذا الحقل الهام والضروري لحماية الإنسان من سياسات أنظمة التطهير العرقي والعسكرتاريا والإستبداد.
وفي تعقيبه على القرار العنصري المتناقض مع ابسط معايير الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، قال شاكر، ان القرار سياسي بإمتياز، وأنه جزء من حملة ممنهجة لإسكات منظمات حقوق الإنسان عموما، و"منظمة هيومن رايتس ووتش" خصوصا، التي أمست بعد تخندق إدارة ترامب في خنادق حكومة نتنياهو المتطرفة عنوانا للإستهداف. لإن إئتلاف اليمين المتطرف شمر منذ زمن بعيد عن ذراعيه، وسن اسنانه لإسكات كل صوت مخالف، ومتناقض مع المشروع الإستعماري الإسرائيلي.
والقرار كان صدر في شهر نيسان/ إبريل الماضي (2019)، ومنذ سبعة اشهر والمنظمة الأممية (الأميركية المنشأ) وممثلها يحاولون ثني حكومة تسيير الأعمال للتراجع عن قرارها، إلآ انهم فشلوا في توجههم، لإن إسرائيل وقيادتها الإستعمارية غير جاهزة، ولا مستعدة، وليس لديها المقدرة على الإستماع للرأي الآخر. وكان مدير عام منظمة "هيومن رايتس ووتش"، كنت روت، قد حذر إسرائيل من طرد شاكر، واعلن في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في تموز / يوليو الماضي، أن "طرد إسرائيل لممثلين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يجعلها دولة" معادية لحقوق الإنسان، ولا تختلف عن الدول التوليتارية والإثنوقراطية. ولم يشأ روت، ان يعتبرها نموذجا للدولة الأكثر عنصرية وصعودا نحو الفاشية، وهي سابقة على كل نماذج الدول، التي ذكرها في تصريحه.
لذا تلقي الحكومة وقضاءها الإستعمالي الوظيفي التهم جزافا على ممثلي منظمات حقوق الإنسان لترحيلهم وطردهم من البلاد بهدف تطويق نفسها بسياج الغيتو الإنعزالي، وتنفث سمومها على كل من يساند السلام، ويدافع عن حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وتجير كل فعل إرتباطا بالخلفية السياسية، ومعاداة حقوق الإنسان، ومحاربة التعايش.
هذة السياسة تتطلب من كل الأقطاب الدولية المعنية بحقوق السلام، ومعها منظمات حقوق الإنسان العالمية، ولجنة حقوق الإنسان الأممية، وقبلها منظمات حقوق الإنسان الأميركية التصدي للجريمة الإسرائيلية. واتخاذ قرارات شجاعة تهدف لفرض العقوبات القانونية والسياسية والإقتصادية على إسرائيل، وفضح كل الشركات والمؤسسات، التي تتعاون معها، ومطالبة لجنة حقوق الإنسان الدولية لنشر القائمة السوداء للشركات المتعاونة مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وملاحقتها قانونيا كداعمة ومساهمة في تعزيز دور الإرهاب الإسرائيلي الدولاني. وتشجيع كل إنسان ومؤسسة في هذا البلد أو ذاك الداعمة لحركة المقاطعة الأممية BDS، وكل نشاط مؤيد ومساند لكفاح وحرية وإسنقلال دولة فلسطين المحتلة في الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194.
على العالم ان يكف عن الصمت والمداورة، ومطلوب منه ان يرفع سيف وكرت العقوبات الأحمر في وجه إسرائيل الإستعمارية، إن كانت اقطابه ودوله مؤمنة بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. لم يعد مقبولا ولا مشروعا صمت العالم على موبقات الإستعمار الإسرائيلي.