ينبغي ان ندرك تماما ان حاجتنا في هذه الايام العصيبة حتمية ملحة يفرضها الواقع الذي نعيشه ويعيشه العالم كله بسبب انتشار فيروس "كورونا" القاتل، وما قد يسببه من فرض وقائع جديدة لم نعهدنا من قبل تطال كل المجالات الحياتية، واهما القطاع الصحي خط الدفاع الاول، ما يحوجنا للاعتماد الكلي على انفسنا، وان كنا في الماضي نؤازر بعضنا بعضا عند المحن الجزئية. فاليوم نواجه محنة كلية تشغلنا عن بعضنا البعض، والعالم كله يقول اللهم نفسي، وان استمر هذا الحال لا قدر الله وقد اصبحت كل مدينة وقرية ومخيم تعتمد على نفسها فاننا نتوقع ان تكون الحاجة لكل حي بل لكل زقاق ان يعتمد على نفسه، وهذا يتطلب وضع خطة لمواجهة تلك اللحظات، والمجتمع الفلسطيني مليء بالكفاءات وغني بالامكانيات وهناك شريحة واسعة من فئة الشباب من طلاب الجامعات والعمال وفاقدي الوظيفة والعمل يمكن الاستفادة منهم كل حسب استطاعته، وهي ايضا تعويضا ولو جزئيا، يتم تدريبهم وتهيئتهم وتجهيزهم ليعملوا عند الطلب، كما هو جيش الاحتياط، وليكن التركيز في البداية على الجسم الطبي وطواقم الاسعاف والانقاذ والتعامل مع مصابي "الكورونا".
وما ينطبق على الجسم الطبي ينطبق على كل المجالات، ادرك ان مؤسساتنا الرسمية تقوم بواجباتها باقتدار لكنني ومن خلال تجربتي في الحياة ادرك انه ربما تاتي الساعة لتتفوق الاحتياجات على الطاقات، وقد كان لنا تجربة اثناء حصار بيروت عام 1982 حيث لم تتمكن كل طواقم المدفعية المتخصصة من الوصول الى بيروت واصبحنا نعاني من نقص كبير في هذا المجال، وهناك وفر في المدافع وراجمات الصواريخ ونقص في المختصين، توصلنا الى حل سريع بتدريب مكثف وبزمن قصير لكل انسان يمكن تدريبه بما فيهم مرافقين القيادات، وقد جاء معظم التدريب عمليا واثناء قيام المدفعية بواجباتها اثناء القصف والقتال مما زاد المتدربين خبرة وثقة بالنفس. ونجحت المدفعية بالقيام بواجباتها طيلة 88 يوم من الحصار.
واليوم مجتمعنا مليء بالخبرات وهو اقدر على القيام بمثل هذه المهام عبر تنظيم خطة قابلة للتنفيذ تبدأ ببنك معلومات على ارض الواقع كل حسب مكان تواجده وتخصصه وقدراته وامكانياته، وتوظيف طاقات الشباب كافة، واعتماد برامج تدريب مكثفة وسريعة وتأطير للعنصر البشري في لجان اسناد للطوارئ، تشمل كل التخصصات، وهيكلية قيادية مؤقتة بموجب مرسوم طوارئ، ولن يكون هذا بديلا عن اي مؤسسة موجودة بل سيكون داعما لهذه المؤسسات واحتياطا استراتيجيا لها، وبهذا تصنع الشراكة الحقيقية بين المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية، ويتحمل كل انسان مسؤوليته عن نفسه وافراد اسرته وما يطلب منه في الحي والشارع، وبهذا يخف العبئ عن المؤسسات الرسمية مما يتيح لها التفرغ التام للقيام بما هو اهم من واجباتها.
وأخيرا اقول، كبر سني وتقاعدي لا يعفيني من التطوع في هذه المهمة ان طلب مني ذلك، والله من وراء القصد.