لا تصدق اسرائيل حتى اللحظة انها وقعت اتفاق تطبيع مع الامارات العربية المتحدة والبحرين يؤسس لـ"سلام مقابل سلام"، إذ يعرف نتنياهو في قرارة نفسه ان السلام مع الشعوب لن يتحقق بهذه الطريقة وانما بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للارض العربية وبمنح الشعوب المحتلة حقها في تقرير المصير، لكنه يتناسى هذا الامر تماما ولا يريد ان يذكر احد ممن وقعوا الاتفاق ان هناك شعبا اسمه شعب فلسطين محتل منذ اكثر من ستين عاما ومازال.
لم تعتقد اسرائيل يوما ان قادة الامارات والخليج سيلهثون وراء مؤخرتها ويتسابقوا بهذه الطريقة لعقد مزيد من الاتفاقات في كافة المجالات الامنية والعسكرية والسياحية والتجارية والمواصلات والعلوم والتبادل التكنولوجي ومنظومات التجسس والمراقبة وكثير من المجالات، وكأن الامارات ليس لديها المال لتشتري كل ذلك الا من اسرائيل وحدها، وكأن اسرائيل وحدها هي التي تمتلك كل تلك الخبرات والتكنولوجيا في العالم..!
الحقيقة انه لولا ترامب وصفقته المجنونة الداعية لسياسة الهيمنة على دول الخليج والاملاء على دوله مقابل الحماية لما نجحت واشنطن في الوصول الى تلك الاتفاقات ولما استطاعت ان تغير في توجهات دول الخليج العربي تجاه الوقوف مع الفلسطينيين حتى يحققوا استقلالهم.
نتنياهو قال "انه يريد اسرائيل دولة قوية واقوى دولة في المنطقة لان القوة هي التي تأتي بالأمن.. وقال ان "ترامب علمه ان القوة تخلق السلام". واعتقد ان بين مسافات هذه الكلمات تقع الكثير من الرسائل التي تعني ان اسرائيل تعلمت ان القوة في المنطقة تعني الهيمنة على صناعة كل شيء والتأثير على سياسة تلك الدول وخاصة في المسالة الفلسطينية.
المثير في الامر في كل هذا المشهد ان عبد الله بن زايد اكد ان الجميع الان يشهد فعلاً تغير الشرق الاوسط وان ذلك يبعث الامل للعالم وقال ان "هذه المعاهدة ستمكن الامارات من الوقف الى جانب الشعب الفلسطيني واقامة دولته وسيكون العمل فقط من اجل السلام والاستقرار والتنمية". هنا نحن امام امرين مهمين الاول تغيير وجه الشرق الاوسط والثاني الوقوف الى جانب الفلسطينيين.. هذا اخطر ما جاء على لسان المطبعين، ولا اعرف كيف ان الامارات من خلال هذا التطبيع ستغير وجه الشرق الاوسط وتنهي الصراع في ظل بقاء الاحتلال وكل موبقاته، لهذا ادركت امريكا واسرائيل ان تغيير وجه الشرق الاوسط ليس سهلا دون تشكيل حلف تقوده الولايات المتحدة الامريكية وتتربع اسرائيل على رأسه لتغير العدو المركزي في المنطقة نحو ايران، وايهام العرب ان امريكا واسرائيل فقط من سيحميهم من هذا العدو.
الخطير ان المطبعين يريدوا تغيير وجه الشرق الاوسط دون ان تتغير اسرائيل كقوة احتلال في المنطقة، ودون ان توقف تهويد القدس وضم الضفة الغربية، وعبر تطبيق صفقة ترامب المجنونة.. واعتقد المطبعون ان وجه الشرق الاوسط سيتغير عبر تسيير رحلات سياحية الى تل ابيب وفتح بلادهم لليهود الاسرائيليين والامريكان كي يبيعوا ويشتروا ويمارسوا ما يحلو لهم من ممارسات تحت ستار التطبيع. واعتقد المطبعون ان وجه الشرق الاوسط سيتغير من خلال ابرام عشرات الصفقات التجارية، بل المئات، بين اسرائيل والخليج العربي الذي سيصبح سوقا كبيرة لكافة البضائع الاسرائيلية بما فيها السلاح. واعتقد المطبعون انهم عندما ينشئوا خطا للغاز بين السعودية واسرائيل يمر بايلات ومن ثم البحر المتوسط ليصل اوروبا كما يقترحون سيعود بالنفع عليهم، لكنه سيعود بالنفع اولاً على دولة الكيان وستتقاسم ادارة ترامب حصة من عائدات هذا المشروع.
ستجني اسرائيل مئات مليارات الدولارات من وراء تطبيع العرب معها دون ان يجني العرب فلسا واحدا، وسيكتشف العرب بعد فوات الاوان ان اسرائيل وامريكا يبيعوهم السلاح مقابل النفط والغاز، وبالتالي لن يغير اتفاق التطبيع شيئا من عقيدة هذه الدولة المجرمة سوى انه سيزيد من عظمتها وقوتها وتسلحها وتفوقها العسكري تحت زعم تهديدات ايران المستمرة.
لعل الحالة الوحيدة التي يمكن ان يتغير فيها وجه الشرق الاوسط وتصبح اسرائيل دولة مقبولة مع 32 دولة عربية اذا اقتنعت بانهاء الاحتلال الاسرائيلي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية واعترفت بحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وبالطبع هذا لا يمكن ان توافق عليه اسرائيل لانه يستحيل من الان فصاعدا، وبعد هذا التطبيع المجاني، ان تقبل بمنح الفلسطينيين ولو جزءاً من حقوقهم الشرعية.
يحلم العرب ان وجه الشرق الاوسط سيتغير للافضل، ويحلم العرب ان اسرائيل يمكن ان تبقي لهم كرامة او شرف او حتى ارض مستقلة او انسان عبثت اسرائيل بفكره وسممت معتقداته واصبح يناصر اليهود اكثر من اليهود انفسهم.. ويحلم بن زايد واخوانه ان اتفاق تطبيعهم سيستمر الى الابد، الا انني أؤكد ان هذا اتفاق مؤقت ستتخلى عنه اسرائيل عندما ترى انه اصبح بلا جدوى ولا يعود عليها بشيء بعد استنزاف ثرواتهم وادعاء حمايتهم لتحقيق الامن في منطقة الخليج. وسيعرفوا في وقت متأخر ان الفلسطينيين الذين رفضوا "صفقة ترامب نتنياهو" هم وحدهم القادرين على تغيير وجه الشرق الاوسط عنما تتخلى واشنطن عن لعب دور الشريك في الاحتلال، وهم وحدهم القادرون على صنع السلام الحقيقي، عندما يحصلوا على حقوقهم كاملة وتعترف الشرعية الدولية واسرائيل وامريكا بهم كدولة مستقلة كاملة السيادة على ارضهم، وعاصمتها القدس العربية.