هذا السؤال سأله الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون: كيف ننتصر بلا حرب؟ أجاب الكاتب الأمريكي جوزيف ناي "بالقوة الناعمة". و"القوة الناعمة" لم تعد حكرا على دولة دون ألأخرى، فكل الدول والشعوب تملك الكثير من "القوة الناعمة".
هذا السؤال أكرره على المستوى الفلسطيني: كيف تنتصرون بلا حرب، وعبر لا الخيار العسكري. فرضية هذا السؤال ان الفلسطينيين لن ينتصروا في أي حرب عسكرية على إسرائيل. وهذا خيار مستبعد تماما، فلا يمكن المقارنة بين قوة إسرائيل العسكرية المتفوقة والتي تقدر بها أن تزيل دولا، وقوة الفلسطينيين العسكرية. والفرضية الثانية أن الخيار العسكري يلزمه إنفاق كبير وهذا يفوق مقدرة الفلسطينيين والقدرات المالية المتوفرة لهم، فهو إستثمار قد يكون غير مجدى.
السؤال البديل لذلك؟ الإجابة نجدها في كتاب فن الحرب للإستراتيجي الصيني الذي كتبه قبل قرابة 2500 عاما، ولخص فيه خبرته وأفكاره. وفي الكتاب يضع مراحل زمنية لهزيمة الخصم. ويقول أفضل طريقة لهزيمة الخصم هي إبطال وإفساد كل ما يمثله من قيم وأخلاقيات، وان لا يترك أن يعيش كما يريد، ويقدم نصيحة التظاهر بالضعف عندما تكون قويا، والتظاهر بالقوة عندما تكون ضعيفا، حتى لا يجرؤ على مهاجمتك. ويضيف نصيحة مفيدة للحالة الفلسطينية: عندما يكون مرتاحا إبدأ بإنهاكه، ولا تدعه يكون مستريحا، بأن تجعله يتحرك دائما".
ومن ناحيته العميل السوفيتي يوري بيزينوف يرى ان الصراع يمر بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: إسقاط الأخلاق، وهذه المرحلة تحتاج من 15-20 عاما،
المرحلة الثانية زعزعة الإستقرار، وتحتاج من سنتين إلى خمس، والمقصود إذكاء النعرات الطائفية والعصبيات في المجتمع،
مرحلة الأزمة، وتحتاج إلى 16 شهرا وقد ينتج عنها إنقلاب ودخول المجتمع في حرب أهلية.
وأخيرا، مرحلة خلق الرموز والشخصيات التي تدين بالولاء للعدو.
بعيدا عن التسلسل الزمني لهذه المراحل، إلا ان العبرة هنا بالمدلول العام لهذه المراحل.
ولست بصدد المقارنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في تطبيق هذه المراحل، لكن بداية لا بد من التأكيد فلسطينيا، ان الفلسطينيين لم يعتمدوا هذه المراحل، ولم تكن في مخيلتهم أبدا. وكان يمكن تصورها منذ بداية الصراع، أي أكثر من سبعين عاما، اما اليوم فلا يبدو ان الفلسطينيين لديهم الصبر على الإنتظار.
هذه المراحل قد تكشف في بعض جوانبها عن أمور مهمة ينبغي التركيز عليها، وخصوصا المتعلق بالجانب الأخلاقي والقيمي، لم ينجح الفلسطينيون في هذا الجانب المهم من الصراع، فقوة إسرائيل تمثلت في تقديم نفسها على أنها صاحبة رساله أخلاقية وديمقراطية وسط عالم من التخلف والغوغائية والإرهاب. وان هذا الطرف، وتقصد الفلسطينيين، لا يصلحون لإدارة دولة، وكيف وهم فشلوا في بناء سلطة وغارقون في الإنقسام.
وكان على الجانب الفلسطيني التركيز على سياسات الاحتلال، والتفرقة العنصرية، وسياسات إهانة الكرامة الإنسانية التي تمارسها إسرائيل على كل الشعب الفلسطيني، وتركيزا على الأطفال والنساء وكبار السن وغيرها من الصور.. هذه الجوانب كانت مفقودة، وحتى الآن لا يتم التركيز عليها بشكل كبير، أين دور السفارات على كثرتها من هذا الجانب مثلا؟
المسألة الأخرى التي سقط فيها الفلسطينيون، التركيز دائما على أنهم الأقوياء، وهنا اشير إلى سياسات المقاومة التي تؤكد دائما على قوتها في إنهاء إسرائيل، وهذا خطأ إستفادت منه إسرائيل.. إسرائيل الجلاد ونحن الضحية، الضعف في كثير من الأحيان قوة، في حالة إسرائيل وهي دولة قوة الأفضل عدم التعامل معها من منظور القوة لأن إسرائيل ستكسب عسكريا، انما إظهار الضعف فهذا عنصر مهم في إدارة الصراع، ويلزم العالم كله على الوقوف بجانب الطرف الأضعف صاحب الحق، المعادلة هنا الضعف مع الحق.
والجانب الآخر المفقود في الصراع فلسطينيا تجاهل أهمية التعامل مع ديناميات السياسة الإسرائيلية الداخلية وكيف يوصولون رسالتهم انهم شعب تحت الاحتلال، وكيف تنمي قوة القوى الداخلية كاليسار وقوة النواب العرب، ولا أبالغ إذا قلت ان الجانب الفلسطيني او بعضا من لغة الفصائل والمقاومة نجحت في تعظيم قوة اليمين.
لم يحسن الفلسطينيون في توظيف عناصر القوة والضعف لديهم، وحولوا الصراع إلى صراع قوة وصراع مواجهة عسكرية، ومن شأن هذا الخيار أن يفقد القضية الفلسطينية الكثير من قوتها الشرعية.
عناصر القوة لا تعني الإستسلام او الخنوع بقدر ما تعني القوة في داخلها. الإنتصار على العدو والخصم ليس بالضرورة يكون بالقوة العسكرية وهي غير المتكافئة وستبقى. عناصر القوة المتاحة كثيرة، ولا ينبغي التقليل منها خصوصا وأن القضية الفلسطينية قضية لها بعدها الإقليمي والدولي، وعليه يمكن تحديد عناصر القوة على مستويات القضية، والعمل على تفعيلها، والخطوة الأولى تكون في بناء نظام سياسي ديمقراطي توافقي تشاركي، أي بتفعيل المتغير الداخلي، وهذه هي الخطوة المفقودة والضائعة مع إستمرار خيار الإنقسام.. لا يملك الفلسطينيون الوقت الكافي للإستمرار في الإنقسام وإجهاض خياراتهم وعناصر القوة المتاحة. ويبقى خيار السلام المدعوم عربيا أحد أهم الخيارات.