بعد اجتماع الفصائل الفلسطينية على مستوى الامناء العامين والاتفاق على تجميد الخلافات الفلسطينية التي كانت سببا للانقسام الفلسطيني، والاتفاق على تشكيل قيادة وطنية موحدة، صدر "بيان رقم واحد" عن هذه القيادة والذي انتهى بتوقيع "القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية".
هذا البيان بكل ما احتوى من مصطلحات مستهلكة لدى الشارع الفلسطيني، لم يجد اي استجابة من قبل الشارع الفلسطيني الا على مستوى خجول في بعض الاماكن داخل الاراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها السلطة.
هذا التجاوب الخجول يؤكد بان البيانات المستهلكة محليا لم يكن لها ان تخلق حالة نضالية واحدة على ارض المعركة وخاصة في الضفة الغربية. والسبب الرئيس لهذا الفشل يعود لفقدان القاعدة الجماهرية لمن اجهد نفسه واصدر هذا البيان.
من المعروف ان البيانات تصدر نتيجة فعل على ارض الواقع، ونتيجة وجود صدام مباشر او غير مباشر مع العدو. والبيان يصدر ليحمل في ثناياه برنامج عمل تكتيكي يهدف الى تحقيق برنامج استراتيجي تناضل من اجله الجماهير الفاعلة على الارض، وليس الجماهير المغيبة عن واقعها الاجتماعي والسياسي اثناء مرحلة الصدام مع العدو.
ما سمي بالبيان رقم واحد لا يعبر عن حالة نضالية فاعلة على الارض ولكن يعبر عن وجود قيادة وهمية متقوقعة على نفسها من اجل حماية رأسها من غضب الجماهير الفلسطينية التي ضاقت ذرعا بممارسات فاسدة خلال اكثر من ثلاثين عاما من الفوضى السياسية والفوضى الوطنية التي مورست من قبل القيادات السياسية على ارض الواقع. فلو افترضنا ان الشعب الفلسطيني سوف ينتفض ضد المحتل الغاصب بانتفاضة عارمة، فان الانتفاضة العارمة سوف تحمل في طياتها انتفاضة ضد المحتل واعوانه على الارض، لانه من المستحيل نجاح اي عمل انتفاضي ضد المحتل بدون محاسبة اعوان المحتل وقلعهم من جذورهم (الانتفاضة الفلسطينية الاولى طرحت شعار: ايد بتخلع جواسيس وايد بتزرع حرية) فكيف لانتفاضة ان تنتصر بدون خلع اعوان المحتل؟
البيان رقم واحد طرح شعار المقاومة الشعبية بمفهوم انهزامي يطمح الى العودة للمفاوضات وليس اكثر. من المتعارف عليه في تاريخ الشعوب التي ناضلت من اجل التحرر من الاحتلال، ان طرحت المقاومة الشعبية وهذه المقاومة في مفهومها النضالي بان تنخرط كافة فئات المجتمع بمقاومة المحتل بكل الطرق والوسائل المتاحة من اسلحة مثل حرب السكاكين، العبوات المصنعة محليا، وزجاجات المولوتوف، عمليات الدهس، وضرب الحجارة واشعال الاطارات وتعطيل حركة السيارات على الشوارع الرئيسية. ولم تقتصر المقاومة الشعبية في اي تاريخ للبشر على عقد مهرجانات ورفع اعلام امام كاميرات التلفزة والانكفاء بعد ذلك خلف مكاتب رسمية وموظفين لا يمارسون اي نوع من العمل سوى شرب القهوة والشاي..!
المقاومة الشعبية تعني بان هناك صداما مباشرا مع المحتل بشكل يومي على مدار الساعة دونما توقف وليس صدامات موسمية ناتجة عن ردة فعل لاحدى ممارسات العدو.
البيان رقم واحد لم يحدد للجماهير غير المنتفضة على واقعها معسكر الاعداء ومعسكر الاصدقاء والتحالفات والتي يجب ان تكون تحالفات استراتيجية وليست تحالفات لمن يدفع اكثر.
معسكر الاعداء يعلن ليل نهار وجهارا عن عدائه للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ومع ذلك القيادة الفلسطينية والقيادة الموحدة الوهمية لم تعلن للجماهير الفلسطينية بأن هؤلاء هم اعداء الشعب الفلسطيني ويجب وقف اي تعامل سياسي معهم ومحاربتهم بنفس الوتيرة التي يحارب بها المحتل.
لقد اصبح لزاما على كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني ان تعيد ترتيب بيتها الداخلي وتفعيل هيكلتها التنظيمية على اسس نضالية فاعلة تلبي متطلبات الحد الادنى للجماهير من اجل اعادة خلق الثقة لدى هذه الجماهير والعمل بشكل يومي على تلبية هذه الحاجات على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اولا عبر الاطاحة بمنظومة الفساد المستشري في المجتمع الفلسطيني ومحاسبة كل من يثبت تورطه في سرقة قوت الناس محاسبة فاعلة وعدم الاكتفاء بالطرد والاحالة على التقاعد. كما وجب وضع الاسس التنظيمية الوطنية لحالة اشتباك يومي مع المحتل وعدم اللجوء الى الضبابية في كيفية مواجهة المحتل للحصول على الحق الفلسطيني بشكل كامل، والعمل بمنهج الكل الفلسطيني ومحاربة الفصائلية والعائلية التي ادت الى فسخ المجتمع الفلسطيني وتشتت الجهد النضالي ضد المحتل الغاصب.
ان من يشاء تحرير وطن من الاحتلال لا يخشى العواقب، فالعمل النضالي مليء بالاشواك والتضحيات. اما من اراد ان يستمر في نهج العمل من اجل الوصول الى مركز او شهرة على حساب الوطن والشعب فما عليه الا ان ينتظر حتى تزحف عليه الجماهير وتلقي به الى مزابل التاريخ، وحينها لن ينفع الندم.