اشتهرت اليمن في العصور القديمة قبل ألفي عام من ظهور الإسلام، بسبب ما كانت تتمتع فيه ممالكها من رخاء يعود بالدرجة الأولى إلى سيطرتها على انتاج اللبان والمر اللذين كانا من أكثر السلع الرائجة في تلك الفترة. كما لعب اليمنيون القدماء دورًا كمحطة تجارية على طريق التجارة القديم، خاصة فيما يتعلق بتجارة التوابل من جنوب آسيا، وريش النعام والعاج من شرقي إفريقيا. وقد أشار عدد كبير من كتاب اليونان والرومان إلى ثروات اليمن، فامتدحها هيرودوت "لأنها تزفر أريجًا عطريًا، ولأنها البلاد الوحيدة التي تنتج البخور والمر والقرفة واللادن".
أهمية الموقع..
ساعد موقع اليمن الجغرافي الفريد وتضاريسه الجبلية الوعرة على حصانته ضد الغزوات الأجنبية، كما ساعدت إطلالة موانئه العديدة على البحر العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر على اشتغال أهله بالتجارة مما اكسبه شهرة واسعة في العالم القديم حيث كانت موانئ: عدن، وقنا في شبوة، والشحر في حضرموت مراكز حضارية هامة لاستقبال عروض التجارة القادمة بحرا من آسيا وخاصة من الصين والهند قبل اكتشاف رأس الرجاء الصالح وحفر قناة السويس بآلاف السنين "حيث كان يتم نقل حمولة السفن التجارية إلى غزة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط بواسطة الجمال خلال 65 يومًا". (https://www.alyoum8.net/news/33066)
كل ذلك أكسب اليمن اسمًا عرفت به منذ تلك الحقب القديمة هو "بلاد العرب السعيدة".
ممالك اليمن القديمة..
تعتبر معين (1300 – 630 ق.م) وسبأ (800 – 115 ق.م) وحمير (115 ق. م – 525 م) من أبرز الممالك اليمنية القديمة. وتعد مملكة سبأ الأشهر من بين تلك الممالك والأكثر ازدهارًا بسبب اقترانها بسد مأرب/ العرم (نسبة إلى عاصمتها مأرب) الذي تم بناؤه عام 800 قبل الميلاد، وأيضًا بسبب أسطولها التجاري الكبيرالذي كان يزود المعابد المصرية بالبخور والطيوب من اليمن والحرير من الصين والتوابل من الهند. ويذكرالفيلسوف والمؤرخ وعالم الجغرافيا اليوناني "سترابو" إن السبئيين جمعوا ثروات هائلة من التجارة في الطيوب، "وقد انعكس ذلك في صناعاتهم وفنونهم، كما انعكس في حياتهم الاجتماعية والتحف الرائعة التي تزخر بها قصورهم". وكان السبئيون وثنيون يعبدون الإله "مقة"، وبنظام كتابتهم القديم المعروف بخط المسند.
والمتعارف عليه أن مملكة حمير آخر الممالك اليمنية قبل دخول الإسلام اليمن، وهي المملكة التي اقترن تاريخها باليهودية.
كما اشتهرت العديد من الممالك اليمنية التي ظهرت إلى جانب تلك الممالك الثلاث الكبرى مثل أوسان وقتبان وحضرموت التي ظهرت جميعها في جنوب اليمن في الفترة بين القرن الثامن والقرن الثاني ق.م. ولعل أهم ما يلفت النظر في تلك الممالك اليمنية القديمة النزاعات والحروب المستمرة فيما بينها.
أول ظهور لليهود في اليمن..
تاريخ ظهور أول مجتمع يهودي في اليمن يكتنفه الغموض لعدم وجود آثار أو وثائق تاريخية توضح متى وصلوا اليمن. ويرجع البعض بداية ظهور اليهود في شبه الجزيرة العربية إلى زمن الملك سليمان حوالي سنة 1000 ق.م. وتروي إحدى الأساطير إن الملك سليمان أرسل بعض التجار من مملكته إلى اليمن لاستجلاب الذهب والفضة للهيكل. لكن ثمة اختلاف كبير بين قول المؤرخين حول ظهور مملكة سبأ في القرن السابع ق.م وبين ما ورد في القرآن الكريم حول قصة الملك سليمان مع ملكة سبأ، فالمعروف أن هذه القصة جرت حوالي سنة 1000 ق. م، وهي فترة سبقت ظهور مملكة سبأ بحوالي ثلاثة قرون. وهناك من يعتقد أن هجرة الغالبية العظمى من اليهود تمت في بداية القرن الثاني للميلاد، تحديدًا بعد تدمير أدريانوس للهيكل الأول عام 135م، فيما يعتقد آخرون أن نبوخذ نصر ملك بابل أرسل عددًا من أسراه اليهود إلى اليمن عقب تدميره الهيكل الثاني عام 586 ق.م. وهناك رأي آخر يقول إن العديد من اليهود فروا إلى اليمن قبل أن يدمر البابليون هيكل القدس على إثر تنبؤ النبي إرميا بدماره. ويعتقد بعض اليهود اليمنيين أن عشرات الآلاف من أسلافهم استجابوا لكلماته وفروا إلى اليمن قبل وقوع الكارثة. وتم نفي معظم اليهود المتبقين إلى بابل.
لكن الرأي الأكثر ترجيحًا يرى أن الوجود اليهودي في اليمن يعود إلى حوالى القرن الثالث ق.م ، حيث لعب يهود اليمن دورالوريث للسبئيين في تجارة التوابل والعطور على خط التجارة القديم من الهند إلى الشام عبر اليمن مرورًا بالحجاز. وقد استمر هذا الدور حتى القرن الثالث الميلادي. أما الرواية اليهودية نفسها فتقول إن النبي أرميا أرسل 75 ألف شخص من سبط لاوي إلى اليمن في القرن السابع ق.م.
حقيقة الممالك اليهودية في اليمن..
يقال أن ملك حمير أبو كرب أسعد توبان اعتنق اليهودية في نهاية القرن الخامس الميلادي، وانه نشر اليهودية في اليمن باستقدامه رجال دين يهود من يثرب.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن الملك الحميري زرعة يوسف (ذو نواس) الذي أحرق من أحرق من نصارى نجران الذين ذكرهم القرآن الكريم في سورة الأخدود "لم يكن يهوديًا وإنما تهود عندما نزل يثرب مجتازًا بها". ويرى البعض أن اليهود حكموا اليمن في القرن السادس الميلادي سبعين عامًا. لكن الثابت أن الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم.
ويرى د. السيد عبد العزيز سالم انه من المرجح أن ذا نواس كان وثنيًا ولم يكن يهوديًا كما يزعم الإخباريون، وكان يتحامل على النصارى دون اليهود لأنه ربط بين انتشار المسيحية في اليمن وبين ازدياد النفوذ البيزنطي والحبشي في بلاده. وكان العدد الأعظم من الحميريين وثنيين، وقد عارضوا ثيو فيلوس الراهب الذي أرسله الإمبراطور قسطنطين للتبشير في بلاد اليمن. أما النصارى الحميريون فقد كانوا – وفقًا للرواية الحبشية- "يرسلون بهداياهم إلى النجاشي ويدفعون له الضرائب، وكان من الطبيعي لذلك ألا يسكت ملك حمير على هذا التدخل. وقد ذكرت بعض كتب التراث أسماء لملوك حميريين من اليهود، مثل أبو كرب أسعد بن تيان (أسعد الكامل)، لكن لا دلائل قوية تفيد بتهوده.
الخلاصة..
مهما يكن من أمر فإننا يمكن أن نستنتج – بناءً على ما سبق- أن مظاهر الحضارة اليمنية القديمة بمعناها الحقيقي بدأت حوالى القرن الثاني عشر ق.م، وأن بداية الوجود اليهودي في اليمن غير مؤكد، وأغلب الافتراضات تؤكد أنه لم يوجد يهود في اليمن قبل القرن السابع ق.م، فيما تؤكد بعض المصادر اليهودية أن هذا الوجود يعود إلى ألفي عام فقط. ويعتبر كابلان من أبرز القائلين بتلك الفرضية. لكن ليس بوسع أحد تحديد تاريخ بداية الوجود اليهودي في اليمن، بيد انه – وحسب ما ذكره دافيد وشموئيل بارآم في صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" في 7/3/2020 - هناك العديد من الأدلة تثبت أن اليهود كانوا موجودين في اليمن على مدى الألفي عام الماضية. فيما يرى البعض الآخر أن وجود مملكة يهودية في اليمن – إن وجدت- يكون ظهورها في القرن السادس الميلادي، وانها – كمملكة داود وسليمان في القدس- لم تدم لأكثر من 70 عامًا.