تتكرر مقولة المحاصصة عند اقتراب الحوار والمحادثات بين الحركتين الكبيرتين في الساحة الفلسطينية "فتح" و"حماس".
وتبدأ بعض القوى والفاعليات والشخصيات بانتقاد هذه اللقاءات الثنائية بوصفها تتجاهل الآخرين من المكونات السياسية والمجتمعية وبوصفها تهدف الى تحقيق المحاصصة ببن الفصيلين الرئيسيين بالساحة الفلسطينية.
ربما يعزز ذلك بعض التصريحات الصادرة عن الحركتين الكبيرتين حول إمكانية تشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات او اتفاقهما على آلية تضمن افضل تمثيل لهما مع ترك مساحة بنسبة محدودة قد لا تتجاوز الـ20% للقوائم الآخرى من أحزاب ومستقلين.
وبما أن تعريف السياسة يستند في أحد ابعاده الى موازين القوى فمن الطبيعي الإدراك بأن المصالحة تستند للتفاهم بين حركتي "فتح" و"حماس" ابتداء ثم تعمم على باقي الفصائل السياسية، كما جرى في كافة الحوارات السابقة منذ لحظة الانقسام الى الآن، وذلك أخذا بعين الاعتبار أن الانقسام هو تحديدا بين حركتي "فتح" و"حماس" وأنهما مازالتا الأكثر نفوذا على المستوى الشعبي، وهذا ما عكسته نتائج العديد من الانتخابات التي تمت سواء في البلديات أو مجالس طلبة الجامعات، وهذا ما تعكسة نتائج استطلاعات الرأي ايضا.
ان النفوذ الكبير لكل من حركتي "فتح" و"حماس" الى جانب أن مشكلات الانقسام تتركز بينهما بصورة رئيسية هو الذي يفسر أسباب غض النظر عن التفاعلات بين الحركتين الكبيرتين في كافة الحوارات التي تمت بينهما وبموافقة كافة الفصائل بلا استثناء واستكمال مسيرة الحوار بعد ذلك وبالاستناد الى توافقات الحركتين.
ان ما تقدم من موافقة كافة الفصائل على تفاهمات حركتي "فتح" و"حماس" تم في جميع محطات الحوار الوطني.
وحتى يصبح الحديث عن رفض المحاصصة يعكس حالة من الانسجام فكان من المناسب أن يتم رفض المشاركة في التمثيل في بعض النقابات المهنية وفق آلية المحاصصة، وهذا لم يتم بالعديد من الحالات والتجارب، كما من الأجدر عدم الموافقة على عقد جلسات تتكون من بعض الفصائل فقط دون غيرها من المكونات الفصائلية الأخرى.
وعليه فإن رفض المحاصصة يجب أن يكون شاملاً وليس انتقائياً وذلك من أجل تعزيز النقد بصورته الموضوعية.
أخفقت القوى اليسارية او الديمقراطية في تأسيس "التيار الثالث" الذي كان من المأمول ان يحظى بوزن مؤثر في المؤسسات التمثيلية الفلسطينية، وكان الاخفاق الكبير يكمن في عدم القدرة على استمرارية عمل التجمع الديمقراطي، والذي تشكل في نهاية العام الماضي 2019 حيث فشل هذا التحالف بعد أشهر قليلة من تشكيله.
ويصبح من الوجاهة الاعتراض على التنائية او المحاصصة عندما يتم تشكيل كتلة مؤثرة ووازنة بين الحركتين الكبيرتين.
وعليه فإن القوى اوالفعاليات السياسية والاجتماعية تستطيع الاعتراض على التفاهمات بين حركتي "فتح" و"حماس" اذا كان لها نفوذ في الشارع، وهذا لن يتم بعملها المنفرد ولكن عبر العمل الجمعي المشترك لمكونات التيار الديمقراطي دون استثناء.
اذا حدثت الانتخابات القادمة فهي ستكون الفرصة الأخيرة امام القوى اليسارية والتقدمية، والا فانه ربما سيسدل الستار عليها وانا وغيري سنكون في حالة حزن شديد على هذا المآل.
وعليه فإن القوى البديلة ستكون قوى السلام الاقتصادي ذات البعد الليبرالي الجديد والذي لا يتعارض مع مضمون "صفقة القرن". ستستفيد هذة القوى من حالة الاستنزاف الاقتصادي ومعدلات الفقر والبطالة المرتفعة جدا التي يعيشهما الشعب الفلسطيني.
ان الحوار في هذا الوقت بين قوى ومكونات التيار الديمقراطي، بما يشمل القوى والفعاليات المجتمعية وبعض المستقلين، بات ضرورة ملحة في سياق اهمية الاتفاق على رؤية سياسية جمعية في مواجهة التحديات العاصفة بالقضية الوطنية لشعبنا وبالمقدمة منها "صفقة القرن" وخطة الضم ومسار التطبيع الأمر الذي يتطلب التنازل عن المصالح الفئوية والشخصية والاهتمام بالمصلحة العامة.
لقد بات من الضروري والملح مغادرة مربع الحصص والمواقع لهذا الحزب او ذاك بين مكونات "التيار الثالث"، والبحث عن المواقع لصالح معادلة تعمل على تعزيز التيار الديمقراطي في المجتمع بديلا عن رؤية الليبرالية الجديدة والنظرة الاقتصادية، ومن أجل تعظيم الأبعاد الوطنية والديمقراطية والتقدمية في الحالة الوطنية والمجتمعية الفلسطينية.