المحرقة النازية ضد اليهود (الهولوكوست)، ترمز إلى الجريمة البشعة التي ارتكبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية ضد أعداد غفيرة من يهود أوروبا بحرقهم في أفران الغاز، لكن مع الأسف فإن الصهاينة عملوا على استثمار هذه الجريمة التي أرتكبت في حق الإنسانية جمعاء لإقامة دولة لهم على حساب الإبادة الجماعية لشعب آخر، وهو ما عبر عنه المؤرخ الفرنسي أدريان مينار بقوله: "لا شك أن الهولوكوست اعتبر في بعض الأحيان حدثا مقدسًا ساهم في شرعنة تأسيس إسرائيل"، وهي حقيقة أقر بها تيودور هيرتزل نفسه عندما اعتبر أن "اللاسامية" سلاح سيكولوجي لا تستطيع الصهيونية بدونه تمهيد الطريق لتحقيق هدفها في إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين.
لكن رغم أن تلك الجريمة التي تصنف تحت بند (الإبادة الجماعية) حدثت في أوروبا وبأيدي أوروبية، وتحت الشعار الذي ابتدعه هتلر (الحل النهائي)، إلا أن اليهود الصهاينة يروجون للدعاية المغلوطة بأن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني شريك للنازي في تلك المحرقة، لمجرد أنه فرَّ من بطش الاحتلال البريطاني لبلاده إلى ألمانيا خلال تلك الفترة. ويستند هذا الزعم على رواية فسلسني Wisliceny مساعد أيخمان Eichmann خلال محاكمات نورنبرج Nuernberg بعد الحرب العالمية الثانية التي تفتقر إلى الدعم التاريخي الوثائقي. ويصورون الأمر كما لو أن الحسيني هو الذي أوحى لهتلر بالمحرقة، فيما أن هتلر كان قد دعا في يناير 1939 إلى إبادة اليهود، أي قبل وصول الحسيني إلى ألمانيا بعامين، وعندما كانت (المحرقة) قد بدأت بالفعل. وقد روجت لهذه الأكذوبة فريدا كيرشوي عبر مقالاتها المسمومة في مجلة "ذا نيشن" لسان حال الصهيونية في الولايات المتحدة، مؤكدة زيفًا وبهتانًا أن الفلسطينيين هم منشؤوا خطة إبادة يهود أوروبا من خلال "الحل النهائي". وقد انطلت هذه الأكذوبة الكبرى على ملايين الجماهير الأمريكية والغربية الساذجة الجاهلة بحقيقة الصراع بين الصهاينة والفلسطينيين.
ويؤكد د. عبد الوهاب المسيري أن هتلر – على عكس ما يروجه الصهاينة- اتخذ موقفًا عنصريًّا من العرب، وعندما طلب الثوار الفلسطينيون من ألمانيا النازية تزويدهم بالسلاح رفضت ذلك، "بل إنها حملت أعضاء الجالية الألمانية في فلسطين على الوقوف موقف الحياد من الصراع العربي – الصهيوني".
من جهة أخرى، لم تبد ألمانيا النازية أي اهتمام بالفلسطينيين حتى نهاية العام ١٩٣٧. كما أن ممثليها في القدس ويافا لم يسعوا لتفعيل سياسة ألمانيا في فلسطين. فقد بذل رايخرت ممثل وكالة الأنباء الألمانية في فلسطين رسمياً والعامل في جهاز الاستخبارات الألمانية عملياً، جهودا لتنمية علاقاته بشخصيات عربية - كصاحب جريدة "الدفاع" – ويهودية على حد سواء. وتكشف حادثة يوسف فرنسيس، مراسل "الأهرام" في يافا، في يونيو 1933 عن موقف فولف ودائرة الشرق في وزارة الخارجية الألمانية من أطراف الصراع العربي- الصهيوني في فلسطين، "فحين عرض فرنسيس توزيع منشورات ومواد دعاية نازية في فلسطين سارع فولف إلى التحذير من سياسة نشر مواد من هذا القبيل، وذلك في مذكرة إلى وزارة الخارجية". واستند الموقف الألماني في تلك الفترة على حرص برلين على عدم اتخاذ أي سياسة تؤدي إلى الصدام مع بريطانيا. لكن طرأ تغيرًا على موقف ألمانيا النازية عشية الحرب العالمية الثانية عندما بدأت في تفعيل سياستها تجاه الشرق العربي، خاصة في فلسطين، حيث وصلت بعض الإمدادات اليسيرة - قليل من المال وكمية محدودة من الأسلحة - إلى فلسطين، لكنها لم يكن لها تأثير خاص، حيث جاءت متأخرة، وكانت محدودة، حيث استطاعت بريطانيا قمع الثورة وبسط سيطرتها العسكرية شبه التامة على فلسطين منذ أواخر سنة ١٩٣٨.
وتروج الصهيونية لهذه الأكذوبة الكبرى على الرغم من أن العرب - بمن فيهم الفلسطينيون - حاربوا النازيين في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وساعدوا في تحرير اليهود الباقين على قيد الحياة من مع معسكرات الاعتقال. والواقع، لم يكن الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين الوحيد الذي حاول بناء علاقات صداقة مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الاستعمار البريطاني لبلاده وفتحه أبواب فلسطين أمام المهاجرين اليهود ودعمهم، فقد أبدى شاه إيران رضا بهلوي تعاطفاً مع الزعيم الألماني أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، وأبدى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات - عندما كان ضابطًا - دعمًا للألمان خلال الحرب، وتطلع الكثير من الزعماء العرب إلى دعم دول المحور لهم للتخلص من الاحتلال البريطاني – الفرنسي على قاعدة "عدو عدوي صديقي"، حتى أن ألمانيا النازية دعمت ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنجليز عام 1941. وقد زار أحمد حسين زعيم حزب "مصر الفتاة" ألمانيا عام 1938، ومن ثم وجهت له التهم بأنه خائن لأنه اتصل بالألمان، وأرسل رسالة لهتلر، وكان يأمل أن يستغل تقدم الألمان – قبل هزيمتهم في معركة العلمين- لإحداث ثورة شعبية تقود إلى تحرير مصر من الاحتلال البريطاني.
وفي سعيهم لخداع العالم، وضع الصهاينة صورة المفتي الحسيني إلى جانب صورة هتلر في مدخل متحف "ياد فاشيم" (الكارثة والعدوان) في القدس الغربية، لكن الأدهى من ذلك أن تتعاون الصهيونية مع النازية لتحقيق أهداف اقتصادية وترحيل أكبر عدد من اليهود إلى فلسطين، وهو ما كشف عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة من معهد الاستشراق في موسكو بعنوان (الوجه الآخر: العلاقة السرية بين النازية والحركة الصهيونية).
ويؤكد الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي توم سيجف (كتابه: تحت حماية الجستابو)، أن الصهاينة تعاونوا مع النازيين على إبادة اليهود، بل إن بعضهم شارك في العمليات؛ مثل كاستز، وانكشفت فضيحة كاستز بعد قيام إسرائيل وتحديدًا في العام 1953، عندما تبين أن أدولف أيخمان مجرم الحرب النازي الذي كان مسؤولًا عن تهجير اليهود من هنجاريا عام 1944، سبق وأن قام بعقد اتفاق مع كاستز يسهل أيخمان بموجبه هجرة اليهود المنخرطين في الحركة الصهيونية مقابل سكوتها عن مصير اليهود غير الصهاينة)..!