يقول جيمس زغبي، باحث وسياسي أمريكي ورئيس المعهد الأمريكي العربي وجون كيرى وزير خارجية في عهد الرئيس أوباما: الثابت الوحيد في عملية السلام وكل المبادرات هو العناد الإسرائيلي والرفض المستمر للتنازل عن السيادة على الآراضي الفلسطينية والإعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية. وكما يقول ناثان ثرال مدير المشروع العربي الإسرائيلي في "مجموعة الأزمات الدولية": "تكلفة الاتفاق أعلى بكثير من تكلفة عدم إبرام أي إتفاق، ذلك أن الأضرار التي ستخاطر بها بسبب الاتفاق هائلة وربما تشعل أكبر أضطرابات سياسية في تاريخ البلاد، وتطلق تمردا عنيفا في أوساط المستوطنيين اليهود ومؤيديهم"، ويقصد إسرائيل في غنى عن ذلك فلتستمتع بالسلام الذي تعيشه مع نفسها، أضف لعلاقات دافئة مع العرب والدولة 13 على قائمة أسعد الدول.
وطالما استمرت تهديدات ملالي الشيعة فلا خوف من أن ينتفض ملوك السنة على أسبرطة الشرق الأوسط، او يبني العرب تحالفا يهدد إسرائيل. وان السلام خطيئة، وأن أوسلو كانت أم الخطايا جميعا، وأن الرغبة في السلام هي أيضا خطيئة. إبتداء كان الرفض الإسرائيلي يستند على رفض منظمة التحرير والعرب للسلام والإعتراف بإسرائيل، وعندما أعترفت منظمة التحرير بـ 78 في المائة من فلسطين لإسرائيل، أعتبر إعتراف خطير، وكان الرد الإسرائيلي زيادة عدد المستوطنين والمستوطنات لتستولي على أكثر من 22 في المائة من الأراضي الفلسطينية، ولم يتبقى لهم أكثر من 10 في المائة في الضفة وواحد في المائة في غزة. وعندما عبر العرب عن الرغبة في السلام وقدموا "المبادرة العربية للسلام" وتطبيع علاقات كاملة مع إسرائيل فقط مقابل إنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها وقيام دولة فلسطينية وتوافق على حل مشكلة اللاجئين، كان رد إسرائيل أيضا الإلتفاف وتفريغ المبادرة من مضامينها، ومزيد من الإستيطان..! ودائما تجد إسرائيل المخرج بترويج الكراهية الفلسطينية والإرهاب التي تمارسه المنظمات الفلسطينية، والادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني، ومن يضمن ان تكون الدولة الفلسطينية ديمقراطية وسلمية؟ ولماذا لا تتحول لقاعدة للإرهاب والدول المؤيدة للارهاب كإيران وتركيا.
وعموما الإسرائيليون منقسمون في كل شيء، وهذه المفارقة، لكنهم موحدون في إخضاع الفلسطينيين، وفي رفض قيام الدولة الفلسطينية، والإدعاء بأن الفلسطينيين لا يصلحون للسلام. ونعود للسؤال: ولماذا قبلت إسرائيل بـ"صفقة القرن"؟ وقبل الإجابة على السؤال، لعل أدق وصف لعملية السلام في المنطقة: كل شيء ولا شيء..! ومنذ أن نشأت القضية الفلسطينية أو ما بات يعرف اليوم فقط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد تفريغ مكونه العربي، والصراع يجمع بين النقيضين: الحرب وطرح المبادرات لحل الصراع. وعلى كثرة المبادرات فلم يتم تسوية هذا الصراع لسبب بسيط، كما أشرنا في بداية المقال، ان إسرائيل لا تريد أن تعترف بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم وقيام دولتهم حتى على نسبة تقل عن عشرين في المائة من مساحة فلسطين. والسبب الثاني لعدم الوصول للسلام إحتكار الولايات المتحدة للسلام والمفاوضات، وتجريدها من إطارها ومرجعيتها الدولية، وإنحيازها لإسرائيل، والتعامل مع السلام من منظور أحادي وليس ثنائي، كما في صفقتها الأخيرة "صفقة القرن" التي فرغت القضية الفلسطينية من جوهرها السياسي والحقوقي. إسرائيل لا تريد السلام، هذه هي الحقيقة والتي أكدتها تصريحات كل قادة إسرائيل منذ نشأتها، وتصريحات بنيامين نتنياهو ووضعه العديد من الشروط لـ"كيانية فلسطينية" وليس دولة.
الأيدولوجية الصهيونية نقيض للسلام، ولا سلام بدون دولة فلسطينية. هذه معادلة السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حتى مع التسليم والمرونة في العديد من القضايا بما فيها اللاجئين، تبقى الدولة الفلسطينية أساس لأي سلام، والدولة مرفوضة في الفكر الأيدولوجي الليكودي ويؤمنون بفكرة الدولة البديلة في الأردن.. "لكم دولة أذهبوا إليها".. إسرائيل كدولة تعني عدم التسليم بفلسطين الدولة وان لا دولة فلسطينية بجانب إسرائيل لأن من شأن هذه الدولة ان تعيد إسرائيل للغيتو في داخلها، رغم ما قاله بن غوريون: بأنه لو أستطاع لقاء القادة العرب، لجلب لنا السلام في عهده.. هذا ما قاله جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 8-4-2007ـ اي قبل ثلاثة عشر عاما، شهدت فيها عملية السلام مبادرات وتحولات ومحاولات أثبتت أن السلام وهم لإسرائيل. وكما قال ليفي أن الحلم الإسرائيلي أن يبادر العرب للسلام وليس إسرائيل، وأن تدير لهم إسرائيل ظهر المحبة. والفلسطينيون قدموا كل تنازل من اجل السلام، وأبدوا كل مرونة وإستجابة والرد الإسرائيلي كان بقتل كل مبادرة بالمزيد من المطالب والشروط.
بعد ورشة البحرين قال تامير باردو مدير جهاز الأمن الإسرائيلي من 2011 – 2016: لا يوجد سلام في الأفق بالنسبة لإسرائيل ولا المنطقة. وأضاف: لو تجرأ نتنياهو ومد يده للفلسطينيين سيعدم بدون محاكمة وسط المدينة، وهنا التذكير بإسحق رابين الذى كان يمكن أن يتحقق السلام في عهده وعهد الرئيس عرفات، فكان مصيره الإغتيال على يد يميني إسرائيلي لا يرى إلا إسرائيل وليس فلسطين.
ويوضح عالم الاجتماع الإسرائيلي أروي بن اليعيزر في كتابه: "الحرب بديل للسلام.. مائة عام بين القومية والعسكرة في إسرائيل" إرتباط إسرائيل بفكرة الصهيونية، وأن الصهيونية تجسد حركة قومية اثنية، وهو ما يعزز فكرة الصراع والحرب بديل للسلام. وأن هذا التلازم يؤسس لفكرة العسكرة، والتي تعد نزعة لحل مشكلات سياسية بطريقة عسكرية وجعلها شرعية ومتداولة، وهو ما يجعل خيار الحرب قائما دائما وله الأولوية على السلام، وأن القومية المتشابكة مع العسكر تعتبر عاملا مركزيا لجر إسرائيل إلى الحرب دائما. ودائما تبرر إسرائيل حروبها بوجودها وسط بيئة معادية وأن جيرانها يتصفون بالعنف المتشدد، ولذلك تتبنى إسرائيل ما يسمى "العنف المانع" أو "الحرب الإستباقية".
والسؤال بعد اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، وعدد من الدول العربية في الطريق، هل ستتخلى عن خيار الحرب؟ وهل سيكون عندها إستعداد لإستئصال جذور الحرب بتسوية عادلة بقيام الدولة الفلسطينية؟ وهل إسرائيل على إستعداد لدفع ثمن السلام بالتخلي عن الحرب والقوة؟
كل مبرررات إسرائيل عن الكراهية والعنف تسقط مع السلام مع العرب ومبادرتهم العربية.