برغم هرولة بنيامين نتنياهو للتطبيع مع دول الخليج العربي والسودان لتحسين وضعه السياسي وتقوية مركزه بالائتلاف، وبالرغم من قوة علاقاته الشخصية مع ترمب واستغلال ذلك لدفع الرئيس الأميركي بكل قوة لفريق البيت الابيض بقيادة صهره )كوشنر( للعمل كوكيل لنتنياهو والتفاوض مع المزيد من دول الشرق الاوسط خاصة باقي الدول الخليجية لابرام اتفاقات تطبيع مع اسرائيل، يقول نتنياهو انها اتفاقات "سلام مقابل سلام"، اي بدون تنازلات او التزامات بالشأن الفلسطيني، وهذا يعتبر في حد نظره بداية مرحلة جديدة بالشرق الاوسط يمكن اسرائيل من حصد مليارات الدولارات لصالحها جراء الاتفاقات والبرتوكولات التجارية في المجالات التكنولوجية والامنية والعسكرية والطب والعلوم والسياحة وحتى الرياضة والتربية.
لا اعتقد ان كل هذا يمكن تحسين وضع نتنياهو لانه لن يحسن حياة المواطن العادي ويعود بالنفع على الشعب الاسرائيلي الذي يدرك ان صنع السلام يبدأ مع الفلسطينيين وليس العرب، ويدرك الشعب ان تغيير مسار السلام الذي يريده )نتنياهو يبعد السلام الحقيقي ويدخل المنطقة والشعبين الاسرائيلي والفلسطيني في صراع جديد، ولن يحقق الامن والاستقرار المطلوبين للشعبين. لذا فان الشعب الاسرائيلي بدا يائسا من نتنياهو وحكومته، وهذا ما يفسر تزايد اعداد المتظاهرين في كبرى المدن، في الشوراع وعلى الجسور، وقبالة منزل نتنياهو في تل ابيب وحيفا.
هذا الاسبوع خرج اكثر من 200 الف اسرائيلي في اكبر حدث احتجاجي الى الشوارع والساحات والطرقات والجسور للمطالبة برحيل نتنياهو وذلك بالرغم من قانون الكنيست الذي دفع به "الليكود" لتحديد اعداد المتظاهرين ووصولهم الى الساحات العامة وسط تل ابيب كساحة "رابين" وساحة مسرح "هبيما".
ولاول مرة منذ انطلاق الاحتجاجات تعم المظاهرات كل من المدن الكبرى في اسرائيل كالقدس الغربية، حيفا وبئر السبع، ولعل قمع الشرطة الاسرائيلية المتواصل للمتظاهرين وخاصة (اصحاب الرايات السوداء) لم يؤد الى تقليل اعداد المتظاهرين، وبل دفع لاستجابة المزيد من الاسرائيليين للنزول الى الشوارع، وهذا ما يجعلنا نتوقع تضاعف اعداد المتظاهرين الاسابيع القادمة، وخاصة ان الجميع الان يخشى الخطر الكبير على اسرائيل لفشل حكومة نتنياهو في تحسين الوضع الاقتصادي والقضاء على "الكورونا" التي باتت تهدد كل بيت بوصول اعداد الاصابات الى ارقام خيالية في غضون بضعة اشهر، مما يؤكد فشل نتنياهو في ادارة هذه الازمة وعدم الانتباه لخطورتها او حتى ايلاء هذه الازمة الاولوية على العمل السياسي الخارجي الذي لن يجني منه الاسرائيليون الكثير.
تضييق الدائرة على نتنياهو من جانب آخر بفعل الازمة التي تعود للطفو على سطح الخلاف الائتلافي مع "كحول لفان" الذي بات مستنفرا بدرجة كبيرة لرفض نتنياهو اعتماد الميزانية العامة للعامين القادمين والتلكوء في ذلك حتى يصل مارس 2021، وهو الوقت المتفق عليه ليتولى بني غانتس رئاسة الحكومة. هجوم متبادل بين اعضاء "الليكود" واعضاء "كحول لفان" واتهامات مختلفة كان اهمها اتهام رئيس ائتلاف "الليكود" ميكي زوهر لـ"كحول لفان" والتي قال فيها "ان كحول لفان لم يعد شريكا في الائتلاف واصبح خطراً على اسرائيل"، مما دفع "كحول لفان" بالرد على زوهر "بانه لا يعرف سوى الثرثرة والكلام الفارغ".
"كحول لفان" يخشي ان يقوم نتنياهو بحل الائتلاف والدعوة الى انتخابات جديدة بحلول مارس 2021، لذلك بدأ باجراء اتصالات لقطع الطريق على نتنياهو والتوصل الى اتفاق حول حكومة ضيقة بالاتفاق مع رئيس كتلة (يش عتيد – تيليم) المعارضة بزعامة "يائير لبيد" وبدعم القائمة العربية وبعد اقناع كل من (بوعاز هندل) و(تسفي هاوزر) المنشقان من حزب "تيليم" برئاسة (موشية يعلون) بالعودة الى هذا الجناح والقبول بتشكيل حكومة ضيقة تضع نتياهو في الزاوية وتقلل من خياراته الائتلافية.
ويزداد خصوم نتنياهو قوة هذه المرة بفعل تحرك الشارع الاسرائيلي ضده ولم تعد الاحتجاجات المطالبة باسقاط نتنياهو تقتصر على بضع مئات من اليسار والوسط، وبالرغم من محاولة نتنياهو وزمرته الدفع باليمين للنزول الى الشوارع لدعم حكومتة في مواجهة الرفض الشعبي الكبير يوما بعد آخر.
مازال نتنياهو قويا رغم تدني رصيدة الانتخابي حسب استطلاعات الرأي الاخيرة التي اظهرت تراجع مقاعد "الليكود" في اي انتخابات تجرى اليوم وظهور حزب (يمينا) بزعامة (نفتالي بينت) كحزب ينافس "الليكود"، بل وينافس بينت نفسه نتنياهو على رئاسة الوزراء من جديد، كل هذا بالاضافة الى اهتزاز صورة نتنياهو لدى الشارع الاسرائيلي بعد تجروء كثيرين من قادة الحركات والاحزاب الاخرى في التطاول عليه واتهامة بالفساد والتغطرس وسوء ادارة الحكم وعدم الاكتراث لمصلحة الاسرائيلين.. هذا بالاضافة الى ملفات الفساد التي سوف تفتح قريبا بالمحاكم الاسرئيلية وسوف يمثل نتنياهو كمتهم بتلقي الرشوة وسوء استخدام السلطة.
لعل سقوط نتنياهو ما زال من المبكرا توقعه وما زال مستبعدا في الوقت الحالي الا اذا حدثت هزات دراماتيكية وقلبت الموازين لصالح خصومه وزاد ضغط الشارع الاسرائيلي عليه، وهذا قد يحدث فقط في حال وصلت التظاهرات والاحتجاجات والمطالبات باستقالة نتنياهو لحالة شبه يومية باعداد تفوق المليون متظاهر حتى في ظل ارتفاع منحنى الاصابات بالكورونا في اسرائيل. بالمقابل يسجل "كحول لفان" نجاحا دراماتيكيا ايضا في مساعيه بتشكيل حكومة ضيقة مع المعاربضة الاسرائيلية وبالتالي اسقاط ائتلاف نتيناهو لصالح تشكيل هذه الحكومة، وليس مستبعدا ان يحدث هذا قريبا اذا ما عززت الاحتجاجات بالشارع الاسرائيلي هذا التوجه.