من المفارقات السياسية التي نسمعها ترشيح كل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو لجائزة نوبل للسلام..! القاسم المشترك بينهما انهما ينتميان لليمين والفكر اليميني الشعبوي الذي يتعارض مع قيم السلام العليا، وثانيا أن يأتي الترشيح من برلمانيين أوروبيين ينتمون للأحزاب اليمينة. فترامب قام بترشيحه عضو يميني نرويجي متطرف يدعى كريستيان تايبرنج جيدي. ويقول ان سبب ترشيحه له معاهدة السلام الأخيرة بين الإمارات وإسرائيل. وتلقى الترشيح دعم مناصري ترامب أو من قاعدته الشعبية مما يسمون بالبيض الأمريكيين او القوميين الأمريكيين الجدد. وجاء ترشيح نتنياهو للسبب ذاته من قبل النائب في البرلمان الإيطالي باولو جرييمولدي عن حزب "الرابطة" المناهض للمهاجرين. وقال انه يأمل ان يتقاسم الجائزة مع ترامب. والسؤال هل يستحقان الجائزة ام لا؟
قبل الإجابة على السؤال نعود لمن سبقهم وحصلوا على الجائزة وهل يستحقونها أم لا. ومن مفاجآت الجائزة انها قد منحت لأشخاص تخلوا بعدها عن السلام. وكما معروف ان الجائزة تمنح لأشخاص قدموا للبشرية الكثير في مجال السلام وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، وتحملوا الكثير من المعاناة.
وتاريخ الجائزة يعود إلى 119 سنة أي اكثر من قرن، وقيمتها مليون دولار تدفع نقدا للشخص او مناصفة مع غيره. ومن أشهر الأسماء التي منحت لها وسلبتها قيمتها المعنوية البورمية يانج سان سو كي عام 1999 لنضالها السلمي من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي أجبرت على الإقامة الجبرية في منزلها ما بين 1989-2010 من قبل الزمرة العسكرية الحاكمة وقتها. ووصفت بطفلة غاندي لإلتزامها بالسلمية في نضالها وأسلوبها. وعندما تولت منصب رئاسة الوزراء تبنت نفس سياسات العسكر في موقفها من مسلمي "الروهينجا" وذبحهم وتهجيرهم. ومن تصريحاتها الغريبة ان المسلمين يقتلون المسلمين. ورفضت منح تأشيرة دخول لمسؤولي الأمم المتحدة للتحقيق في الفظائع التي أرتكبت. هذا وقد بلغ عدد الضحايا 24 الفا وأجبر 730 الفا على الهروب من القتل للدول المجاورة مثل بنجلاديش الإسلامية.
والمفارقة الثانية في منح جائزة نوبل للسلام للقادة الإسرائيليين الثلاثة بيجين ورابين وبيريز، وقد يكون اكثرهم إستحقاقا رابين الذي دفع حياته ثمنا للسلام مع الفلسطينيين، ومع إفتراض أنهم قد عملوا لجلب السلام للشرق الأوسط، فما زالت إسرائيل تحتل كل الأراضي الفلسطينية، وتعتقل شعبا كاملا وتفرض حصارا على أكثر من مليوني نسمة في غزة وشنت ثلاثة حروب، واقتحمت المقاطعة وحاصرت رجل سلام الشجعان الرئيس عرفات حتى انتهى بالإغتيال المسموم. ولا ننسى مذبحة "قانا" التي تباهى بها بيريز وراح ضحيتها 106 لبنانيا مدنيا بريئا. وتصريحه كل شيء تم بمنطق واضح وبطريقة سليمة. وفي حرب 1967 قتل رابين 1000 اسير مصري.
والمفارقة الثالثة التي منحت فيها نوبل السلام للرئيس أوباما، ومنحت فقط لوعوده لتحقيق السلام وسحب قواته من اراضي الغير، ومنحت له عام 2009 وبعد أشهر قليلة من رئاسته، والسبب وراء منحه الجائزة وعده ان يعمل على تخليص العالم من الأسلحة النووية، وجلب السلام للعالم، ومعالجة مشاكل المناخ، وكلها مسائل قابلة للنقاش اليوم. أين أمريكا من إتفاق المناخ وزيادة السباق النووي؟ والأغرب تبرير اللجنة المانحة أن الديمقراطية وحقوق الإنسان يتم دعمهما مستقبلا، وأن الجائزة منحت لوعوده وليس لأفعاله. وربما الأمر الأكثر غرابة وفظاعة أن تمنح جائزة نوبل للسلام لهنري كيسنجر، المخطط والعقل وراء الحرب الأمريكية في جنوب آسيا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والحرب على كمبوديا، ومقولته "ضرب كل من يطير أو يتحرك"، وأيد العملية الإنتحارية في أندونيسيا شرق تيمور، وكان العقل المدبر للضربة العسكرية على تشيلي لضرب الاقتصاد التشيلي، وشجع الإنقلابات العسكرية في أمريكا الجنوبية. والمدهش في منحه الجائزة رفض شريكه الفيتنامي المعارض لو دك ثو على أساس ان السلام لم يتحقق.
واليوم يتم ترشيح كل من ترامب ونتنياهو للجائزة، والقاسم المشترك بينهما ان الترشيح جاء من قبل نائب يميني في البرلمان النرويجي لترامب، ونائب يميني في البرلمان الإيطالي والمناهض للهجرة. والإثنان يدعمان التيارات الشعبوية العنصرية، وكيف تمنح الجائزة للرئيس ترامب وقد اعلن إنسحابه من منظمة الصحة العالمية وإتفاق المناخ واليونسكو، وتهديده للصين للشروع في حرب باردة جديدة، وموقفه من المهاجرين للولايات المتحدة ووقف تأشيرات الدخول لعدد من الدول الإسلامية. أما نتنياهو فكيف تمنح له وهو المتهم بقضايا فساد ويرفض إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ويرفض قيام الدولة الفلسطينية ويمارس حصارا كاملا لكل الاراضي الفلسطينية. وكما تقول جريدة "نيويورك تايمز" لكل منهما هدف بعيد المنال، ليس بسبب سجلهما السياسي وسمعتهما، هذا وعندما منحت الجائزة لكل من الرئيس السادات وبيجين ورابين وبيريز وعرفات ليس لأنهم قديسيون بتعبير الجريدة، ولكن لأفعالهم في وقتها، أقتضت الشجاعة ومحاولة لتجاوز العداء العميق، وحيث دفع أثنان حياتهما ثمنا للسلام السادات ورابين. واضيف الرئيس عرفات الذي أغتيل بالسم.
وأخيرا، فان منح الجائزة لترامب ونتنياهو يبعد الجائزة عن أهداف مؤسسها ألفريد نوبل.