السيناريوهات والخيارات تحددها وتفرضها البيئة السياسية للصراع، والمحددات التي تتحكم في متغيراته وتحولاته سلبا أو إيجابا تسوية أو صراعا. وقضية كالقضية الفلسطينية تتشكل من مكونات إقليمية عربية مباشرة ودولية إلى جانب المحددات التي تحكم السلوك السياسي لطرفي الصراع المباشرين، يمكن ملاجظة ان الصراع لم يعد عربيا وذلك بعد بدء عملية التطبيع والسلام، وهذا يعني أن أهم محددات الصراع تم إستبعادها لصالح خيارات السلام والتطبيع، ودوليا لم يتبقى من القضية إلا إطارها العام المتمثل في قرارات الشرعية الدولية ومرجعيتها العامة، وهي مجرد إطار يفتقر للقوة والإرادة الدولية الملزمة، وذلك لبروز الكثير من التهديدات والأولويات الملحة التي تواجه العديد من الدول وخصوصا الدور الأوروبي الأكثر أهمية وحسما في تحديد سيناريوهات الصراع ومستقبله.
لقد بات الصراع قلسطينيا إسرائيليا مباشرا وهذه التحولات تحتم على الجانب الفلسطيني وحتى الإسرائيلي التفكير في السيناريوهات والخيارات للتعامل معه من هذا المنظور، وأي سيناريو ينطلق من فرضية أساسية وهي فرضية التكلفة للصراع والقدرة على التحمل وفرضية المنفعة المشتركة التي يمكن ان تعود عليهما من تبنى سيناريو محدد ومن فرضية أن بيئة الصراع اليوم أن القضية في زمن السلام.
بداية وفي ضوء ان الصراع لم يعدعربيا، وفي ضوء قيام علاقات سلام مع إسرائيل وقد تتسع وتمتد لتشمل عددا اكبر من الدول يمكن القول ان خيارات الحرب والتصعيد العسكري لم تعد خيارا ممكنا أو قابلا للتنفيد وتحقيق الهدف منه، ناهيك ان تكلفة الحرب والمواجهات العسكرية أصبحت غير قابلة للتحمل، ولن تجد الدولة أو الدول العربية التي يمكن ان تقوم بعملية التعويض نظرا للتحديات الإقتصادية وعجز الموازنات لديها مما يعني أن حجم المساعدات التي ستقدم ستكون محدودة جدا، وعليه فخيارات الحرب مستبعدة أو غير واقعية. والمسألة الأخرى التي تتحكم في سيناريو مدى قربه أو بعده من تحقيق الأهداف المباشرة لطرفي الصراع. وهنا السؤال الأول ما هي أهداف فلسطين وأهداف إسرائيل؟ وهنا معادلة الأهداف ومقابلتها، بمعنى أن أي هدف لأي منهما يتوقف على قابلية تحقيقه بما لا يؤثر على الهدف الأساس. وفلسطينيا اعتقد ان الهدف الأساس هو قيام الدولة المستقلة بأركانها الثلاثة وبعاصمتها القدس الشرقية، واما إسرائيل وقد يصعب تحديد أهدافها لأنها ترتبط بالقوة والسيطرة والإحتلال، فأهدافها أبعد من الأمن والبقاء ـ ولكن في النهاية يعتبر هذا هدفا رئيسا، هذا الهدف بدأ يتحقق إقليميا وقد ينتهي بسلام إقليمي، لكن جوهر الأمن والبقاء يبقى محكوما بدرجة الصراع مع الطرف الفلسطيني.
وفي ضؤ ذلك يمكن تصور السيناريوهات الممكنة مع إستبعاد خيارات الحرب والمقاومة المسلحة والمواجهة العسكرية أي الحديث عن الخيارات في زمن السلام.
السيناريو الأول: سيناريو حل الدولتين.. وهو حل لا بديل له، والأكثر منفعة وأقل تكلفة، والأقرب لتحقيق أهداف كل من فلسطين وإسرائيل. وهو السيناريو القابل للحل والتنفيذ، ويحقق للفلسطينيين الإستجابة لهويتهم القومية، ويوفر لإسرائيل الأمن والبقاء مع تحديد ماهية الدولة الفلسطينية كدولة ديمقراطية وعقد معاهدات سلام، ومستقبلا من خلال شكل من أشكال التكامل بين الدولتين كالكونفدرالية وقيام العديد من المشاريع المشتركة. ويمكن تصور ابعاد هذا السيناريو أكثر بالسلام العربي الإسرائيلي. ومن خلال مقاربة الدولة يمكن حل كثير من المشاكل الأخرى كاللاجئين.
السيناريو الثاني، سيناريو الدولة الواحدة وهو أقرب للحلول المثالية الآن، ويتعارض مع تمسك إسرائيل بهويتها القومية، وفلسطينيا قد يحتاج هذا الحل لعقود طويلة من النضال السلمي، ولكن يمكن تصور صيغة له من خلال مقاربة الحقوق المتساوية في إطار حل الدولتين.
السيناريو الثالث الإنتفاضة السلمية الشعبية الشاملة، وهو سيناريو قابل للواقع الذي يفرضه الاحتلال، ومن حق الشعب الفلسطيني ممارسة هذا السيناريو لجعل خيار الاحتلال مكلفا، لكن هذا السيناريو يتوقف على الموقف الدولي والعربي، وعلى ردود فعل إسرائيل، وخصوصا مع غلبة الطابع العسكري على الخيارات الفلسطينية، لكنه يبقى من الخيارات الداعمة والمساندة لخيار حل الدولتين.
السيناريو الرابع، سيناريو المقاومة المسلحة والطابع العسكري العنيف. وهذا الخيار هو القائم الآن وخصوصا في العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل في غزة، وتكلفته عالية جدا، ويمكن أن يتحول لخيار الحرب الشاملة، كما رأينا ثلاثة حروب في اقل من عشر سنوات في غزة، كانت كلفتهم الاقتصادية والبشرية والإجتماعية والبنيوية كبيرة جدا، وما زال الشعب الفلسطيني في غزة يعاني منها، ناهيك أنها لم تحقق الهدف السياسي منها.. واضف ان هذا السيناريو قد يمتد للضفة الغربية ويتطور لإنهيار شامل للسلطة ولكل ما أنجزته، وسيكون مكلفا لإسرائيل بسبب التداخل السكاني، وإنتشار السلاح بشكل كبير وتطوره بدرجة كبيرة.
وفي هذا السياق العام لبيئة السيناريوهات الفلسطينية الإسرائيلية المستجدة والمتغيرة نحتاج لخطوات إنتقالية إيجابية وصولا للسلام الإيجابي بالعمل على إحتواء العنف البنيوي والثقافي، وبرفع الحصار ومبادرات في إطلاق سراح الأسرى، وخطوات بتحسين الأداء الإقتصادي والمعيشي وتشجيع إعادة بناء المؤسساتية من خلال الانتخابات.
ولا يبقى إلا سيناريوهان.. صراع السلام والتعايش من خلال حل الدولتين، أو سيناريو الحرب والمواجهة العسكرية والتي أثبتت الحروب السابقة فشلها، وفشل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في تحقيق أهدافهما الرئيسة: الدولة للفلسطينيين والأمن والبقاء لإسرائيل.