ابتداء وحتى لا يذهب احد الى اعتبار موقفي هلاميا فأنا لست ضد عودة العلاقة بيننا وبين الاحتلال والتي حددتها مرجعيات قانونية مستقاة من اتفاقية اوسلو وغيرها وبالشكل الذي يخدم مصالح شعبنا لانني ضد شطب فلسطين عن الخارطة، فالمعادلة خطيرة ومن لا يدرك الى اين وصلت الامور فبإمكانه ان يخطب ليل نهار مطبلا ضد عودة العلاقة مع الاحتلال، حيث ان من يشعر بالمسؤولية الوطنية عن شعب باكمله ويدرك اهمية احتياجاته ومتطلباته انسانيا واقتصاديا ووطنيا وسياسيا لا يبني مواقفه وقراراته بالشكل الذي يبنيها من هو غير مسؤول عن ذلك.
عندما اتخذت القيادة قرارا بوقف كل اشكال العلاقة مع الاحتلال فوجئ الكثيرون وشككوا ايضا واستمر الامر لشهور ستة تحملت خلالها القيادة وشعبها اعباء وتبعات هذا القرار ماليا واقتصاديا وكذلك الضغوط الكبيرة والتهديدات من هنا وهناك.. وكان هذا القرار حلقة من سلسلة حلقات هادفة للضغط على الاحتلال الذي امعن اجراما بحق شعبنا ومؤسساته ومن ضمنها الامنية.. القرار جاء تنفيذه مرتبطا بموضوع الضم الذي اعلنت عنه اسرائيل بدعم امريكي.. وقد اعلن ان عودة الامور الى سابق عهدها لن تتم الا حينما تعلن اسرائيل عن العودة عن هذا المشروع.. استمرت اسرائيل بالضغط بالمقابل لعلها تكسر موقف السلطة.. فتحت الحدود وادخلت الناس للداخل بدون تصاريح.. الآلاف من الناس ذهبوا مباشرة الى مكاتب التنسيق الاسرائيلية وبطريقة مذلة لابناء شعبنا.. المنسق فتح صفحته للجميع وكل الهدف الضغط على السلطة.. والأقسى دخول العديد من الجهات الداخلية ضاغطة على السلطة مطالبة بالرواتب كاملة بالرغم من علم القاصي والداني ان عدم توفر المال مرتبط بموقف السلطة القاضي بعدم التنسيق المدني والامني مع اسرائيل وان الحصول على اموال المقاصة يعني العودة للتنسيق.
لا يوجد اي مجال آخر للحصول على اموالنا ففلسطين الدولة تخضع للاحتلال، ولنكن موضوعيين، فهل بالامكان ادخال اي من المتطلبات بعيدا عن الاحتلال؟ وهذا ما ينطبق على غزة ايضا، فهل بالامكان ادخال اي شيء دون التنسيق مع اسرائيل سواء بشكل مباشر او عبر طرف ثالث؟!
ما حصل ان تغيرات جوهرية حدثت منها عدم الاعلان رسميا عن الضم من قبل اسرائيل، وكذلك التغيرات الحاصلة في امريكا حيث رحيل ترامب الراعي المباشر، بل المشارك، للاحتلال عبر تشريعه للاستيطان والداعم لضم اكثر من ثلث الضفة لاسرائيل عبر ما يسمى بـ"صفقة القرن" حيث ان رحيله شكل صفعة للاحتلال، وتحديدا لنتنياهو وحكومته، وبالمقابل جاء جو بايدن الذي اعلن ان "صفقة القرن" لا تلزمه واعلن وعبر رسالة خطية عن ان الحل يكمن بدولتين وعدم شرعية الاستيطان وكذلك وعد باعادة فتح مكتب منظمة التحرير وكذلك اعادة الدعم للفلسطينيين بعد ان اوقفه ترامب سواء الدعم المباشر او غير المباشر عبر بعض الدول العربية التي شاركت وبقرار امريكي بحصار الشعب الفلسطيني ماليا واقتصاديا ناهيك عن انهيار جزء من النظام العربي الرسمي وخروجه عن مقررات القمم العربية عبر تطبيعه مع دولة الاحتلال.
وامام كل هذه التغيرات كان لابد من قرار فلسطيني جريء حتى لا تدخل فلسطين بصدام مع الادارة الامريكية الجديدة، ومن هنا جاء الاعلان عن عودة العلاقات كما كانت مع الاحتلال، علما ان العلاقة لا تعني الخضوع للاحتلال كما يروج المرجفون، بل ان العلاقة هي علاقة قائمة على الصراع بين قيادة شعب ارضه محتلة يناضل من اجل الحرية والاستقلال وبين احتلال مجرم وفاشي يستخدم كل الطرق من اجل ترسيخ الاحتلال الى الابد، وما حصل طوال الستة شهور الماضية ما هو الا حلقة من سلسلة حلقات نضالية هادفة الى تحقيق المشروع الوطني .
هناك من وقف ضد الخطوة الني اعلنت عنها القيادة الفلسطينية ببراءة، وهناك من كان بلسانين احدهما ضاغط على القيادة في الغرف المغلقة من اجل عودة التنسيق والحصول على اموال المقاصة والاخر منتقد للقيادة على موقفها بعودة العلاقة وذلك في وسائل الاعلام معبرا عن انتهازية مقيتة، وهناك من انتقد الطريقة والاخراج غير معترض على الموقف كموقف.. وهناك من القوى التي صبت جام غضبها على القيادة ومن ضمنها "حماس" التي تحاور القيادة منذ سنوات للوصول الى اتفاق داخلي يؤدي الى تحقيق الوحدة الوطنية وذلك قبل اقدام القيادة على وقف التنسيق الامني والمدني.. وهناك من تجاهل الاسباب السياسيه الهامة التي دفعت لاتخاذ هذا القرار وركز على موضوع الرسالة التي تسلمتها السلطة من الجانب الاسرائيلي غير مدرك ان صمت القيادة الاسرائيلية يعني تبني ما جاء بالرسالة من اعتراف ضمني بمرجعية العلاقة القانونية ممثلة بالاتفاقات الاسرائيلية الفلسطينيه والتي تعني دحض اي قرار اسرائيلي يتناقض مع ما جاء بهذه الاتفاقيات.
ينبغي اخيرا الاشارة الى ان التنسيق وتحديدا الامني لم يحم الاجهزة الامنية من تدمير مقارها الأمنية والعسكرية ولم يحم ضباطها وافرادها من الاستهداف قتلا وجرحا وأسرا في الانتفاضة الثانية، لا بل كان عدد الشهداء من افرادها قد بلغ ضعف شهداء كافة الفصائل ما يدلل ان التنسيق لم يكن يوما خيانة كما روج البعض، فالتنسيق بين الخصوم والاعداء حتى في ساحات المعارك.. والتعاون والتطبيع بين الاصدقاء..
اعانك الله يا شعب فلسطين ورئيس فلسطين الذي ولوحده من الزعماء معتمدا على صلابة شعبه قال اللاءات العديدة لقادة امريكا.