تتزاحم "البلاوي" على الباب الفلسطيني وتتكاثر في زمن فقدت البوصلة والمبادرة فيه.. فمن مجيىء دونالد ترامب إلى "صفقة القرن"، واعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وزيارة لمستعمرة "بساغوت" لشرعنة المستعمرات الإسرائيلية، والتهديد القائم بضم مناطق "جيم" في الضفة الغربية. ناهيك عن البلاوي اليومية المستمرة من هدم للمنازل إلى احتجاز الجثامين وتعثر صفقة إفراج عن أسرى الحرية إلى "الكورونا" والوضع الاقتصادي..!
تلاحقت البلاوي بكوارث عربية خليجية وأفريقية بحيث غدت إسرائيل عشيقة المعشوقين، فالكل يطلب يدها وودها ويسعد بلقائها، بل يطمح إلى إقامة علاقات شرعية أو غير شرعية، لا يهم. وما زال المستقبل القريب للمنطقة وسكانها ودولها ،غامضا بل محفوفا بالمخاطر الجسيمة. والأيام حبلى بتطورات لا يعلمها حتى العارفين بالأمور، فالمجهول سمة الشهرين القادمين، وكامن في عقلية متطرفة معتدية تخطط وتجهز وتبعث بالطائرات الثقيلة والخفيفة لتتآمر تحت جنح الظلام وخفافيش الليل، لتقتل كل أمل للسلام، معتقدة أن الأرض قد دانت لها، وعلى شعبها الخضوع وطأطأة الرأس أملا في منجاة. الدمويون في تشاور وتقابل وتنقل ويحيكون المؤامرات والخطط لما قبل تسليم السلطة من ترامب إلى جو بايدن.
فإذا مضى الشهران دون مصائب أو كوارث ستنفرج أسارير الكثيرين، ممنين النفس أن العم سام سيصلح الأمر ويعيد الحق إلى نصابه. والحق أقول ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن يوما بعد الحرب العالمية الثانية وسيطا نزيها عادلا في القضية الفلسطينية، بل شكلت خطرا على الشعب الفلسطيني ومخدرا لحقوقه السياسية والمدنية وعلى رأسها حقه في تقرير المصير.
فاي استعراض سطحي لجميع الرؤساء الأمريكيين ووزراء الخارجية الأمريكيين يشير إلى أن الأمريكيين اكتفوا بإدارة الصراع منذ أيام ترومان، وإذا جد الجد وقفوا بالباع والذراع مع إسرائيل، وهذا ما شاهدناه ولمسناه في حرب حزيران أيام جونسون ودين راسك، وبعدها في حرب رمضان/تشرين، ايام نيكسون وهنري كيسنجر. وفي الانتفاضة الأولى، ايام بوش الأب وجيمس بيكر. وفي حرب لبنان عام 2006، أيام بوش الإبن وكولين باول. وأخيرا مع باراك أوباما الذي خصص موازنة لمساعدة إسرائيل لعشر سنوات، ولحقه ترامب في خطواته المعروفة. وسيلحق بهم بايدن عبر طاقمه الصهيوني.
التاريخ الأمريكي الحديث يعيد نفسه وسياساته وبخاصة في المناصب الحساسة في البيت الأبيض، مع تغيير هامشي في أسماء الأشخاص ولكنهم يبقون في أعماقهم يهودا صهاينة رغم أن اليهود متفاوتون في الرؤى والمعتقدات. فمرة دنيس روس، ومرة عاموس عمانوئيل، ومرة المستوطن السفير فريدمان، ومرة رون كلاين، الذي سيكون رئيس مكتب البيت الأبيض لبايدن وأنتوني لينكين وزير الخارجية القادم اليهودي. وقد يقول قائل، هذه لا سامية من الكاتب، وهؤلاء مواطنون أمريكيون ويحق لهم تولي الوظائف العامة الأمريكية، ولكن دينهم اليهودية كما يوجد الكثيرون ممن يدينون بالمسيحية أو الإسلام. ولكن نسي هؤلاء أن هؤلاء جميعا عندهم تناقض في الولاء بل تنازعا فيه. فهل ولاؤهم هو لإسرائيل أم للولايات المتحدة، وبخاصة إذا تعارضت المصلحتان، وأي ولاء يقدم. لا شك عندي أنهم يقدمون المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأمريكية وإن لم يقدموها ظاهريا، فسيحاولون التأثير بقدر استطاعتهم لحرف الإدارة الأمريكية عن جادة الصواب والعدل.
ونسأل هل سيعين أو هل يجرؤ بايدن على تعيين وزير مسلم أو هندوسي او بوذي أو كاثوليكي في طاقمه الحاكم؟ وكم أسودا سيعين بالقياس مع اليهود الذين تبلغ نسبتهم في امريكا أقل من اثنين بالمائة؟
يجب أن لا نمني النفس بتغييرات جدية أو جوهرية في السياسة الأمريكية، رغم علمنا أن الرجلين مختلفان تماما. وهذا واضح من الطاقم الذي يعينه بايدن، وقد بدأت الأسماء بالظهور، وواضح أنه لن يبتعد عن سياسة أوباما المتردد. فضلا عن أن لدى بايدن أولوياته المحلية كالكورونا والاقتصاد وأولوياته الدولية كالمناخ وإيران. أما فلسطين فموضوع مؤجل ولا داعي للاستعجال فهو مركون على الرف وسيبقى كذلك. وما دام ان بايدن لن يستطيع التقدم بخطوات جدية في الشأن الفلسطيني العام لسبب أو لآخر، فعلى الأقل من الناحية الإنسانية أن يبذل محاولات جادة للتخفيف من قسوة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته الظالمة. والعاملون في القنصلية الأمريكية على دراية كافية بكل تلك الإجراءت وعنها ملفات كاملة لكل ذلك.
يستطيع جوزف بايدن عمل الكثير كرد على خطوات ترامب الرعناء اللاشرعية غير القانونية. وهذا مطلب محق وعادل من بايدن. فردا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يمكن أن يقال أن السفارة الأمريكية فقط في غربي المدينة ولا تشمل شرقي المدينة ولا الدولة الفلسطينية المستقبلية. وهناك عاصمتان في القدس واحدة في غربي القدس وأخرى في شرقي القدس، أو العودة إلى الوضع القانوني الخاص للقدس وهو ما عرف بالتدويل عبر قرار 181. وهو قرار لطالما كانت الولايات المتحدة تدعمه وتؤيده. وكذلك فإن إعادة تشغيل القنصلية الأمريكية في شرقي القدس للمواطنين الفلسطينيين سواء أكانوا مقدسيين أم ضفاويين أم غزاويين في شؤونهم وأعمالهم. ويمكن للسيد بايدن أن يحاسب الإسرائيليين على معاملتهم للفلسطينيين وبخاصة من يحمل الجواز الأمريكي، وأن يطلب لهم ولأطفالهم ولزوجاتهم وأقربائهم، معاملة عادلة منصفة، وعدم سحب هوياتهم، وعدم ملاحقتهم من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية. يستطيع بايدن أن يشكل عنصر ضغط هام مانع في بناء المستعمرات الإسرائيلية، سواء أكانت في القدس أو في الضفة الغربية وفي كل مكان. ويقدر أن يكون عنصرا ضاغطا في موضوع حقوق الإنسان الفلسطيني في القدس وغزة والضفة.
بالمقابل لكسر هذا الجو المكفهر والكئيب وإعادة البسمة، الى الفلسطينيين واجب إقامة الدولة القانونية في فلسطين. فبدون دولة قانونية لا أمل مشرق مضيء لفلسطين، وسنغدو دولة من العالم العاشر وليس الثالث. يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية باسرع وقت ممكن. بجب احترام مبدأ الفصل بين السلطات وإعادة الاحترام للسلطة القضائية والقانون الأساس. يجب وقف حالة الطوارىء والاحترام الكامل لحقوق الإنسان.
هذه مقدمات أساسية بدونها لن يكون هناك نتائج ولن تكون هناك دولة أساسا، واجمع براعم الورد ما دمت قادرا على ذلك..!