التطرف في المنطقة ليس وليد اللحظة ولا هو وليد مرحلة ما من مراحل الحروب في المنطقة العربية، وله تاريخ طويل وبالتأكيد أن ولادة التطرف كانت على ايدي العصابات الصهيونية التي تشكلت مع بداية الهجرة الصهيونية لفلسطين، وبالتالي تزامن التطرف مع وجود اليهود على ارض فلسطين كمهاجرين اوائل جاؤوا لاطماع قومية ودينية واستعمارية في ارض فلسطين، وتأسيس دولة يهودية على الارض العربية من النهر الى البحر. العصابات الصهيونية هي التي مارست التطرف عندما تشكلت مثل شتيرن، الهغاناة، والارغون، واخذت شرعية تطرفها من (وعد بلفور) المشؤوم الذي اعطى اليهود كيانا في فلسطين، وبالتالي كان تصريحا بارتكاب المزيد من المذابح والجرائم والمضي قدما في التطرف. وتطور التطرف لاحقا ليغزو عالمنا العربي بعدما قامت اسرائيل بتأسيس تنظيمات تحت مسميات اسلامية تدعمها بالمال والسلاح تعمل لتقويض دول العالم العربي وتكون ذريعة للتدخل الامريكي الاستعماري وتقسيم تلك البلاد الآمنة.
إسرائيل تتبني التطرف اليوم وتمارسه بشتى انواعه: الديني والعرقي والقومي، لانها مازالت لا تقبل بوجود الفلسطينيين ولا تعترف بانهم اصحاب الارض الاصليين. ليس هذا فقط بل ان اسرائيل ككيان يدعي الديمقراطية بالعالم يطلق العنان الآن لمستوطنيه ليرتكبوا ابشع الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، من قتل، وحرق وتدمير للمزروعات، وقتل للمواشي وتسميم لآبار المياه.
لا اعتقد ان لدى حكومة اسرائيل النية في وقف تلك الممارسات او حتى تقديم مرتكبيها للمحاكمة وانزال العقوبات القانونية بحقهم. ففي يونيو 2014 أعضاء ما يسمى بتنظيم (شبيبة التلال) الصهيوني المتطرف تسللوا الى قرية دوما الفلسطينية واحرقوا منزل عائلة دوابشة وهم نيام وتفحمت اجساد سكان البيت ومات الطفل (علي) ابن 18 شهراً، ومات الاب ولحقت بهما الام بعد فترة متأثرة باصابتها البالغة، وبقي الطفل (احمد) يعاني الحرمان ويتألم وحيدا، وكلما نظر بالمرآة رأى جريمة التطرف الصهيوني على وجههه المشوه. وفي تموز يوليو 2014 خطف مستوطنون متطرفون الطفل (محمد ابو خضير) من شعفاط واقتيد الى احراش دير ياسين وهناك احرق حيا.. جريمة دانها العالم بخجل لكنه لم يتخذ من الاجراءات ما من شأنها ردع المستوطنين عن افعال مشابهة.
صمت العالم ولم يفعل شيئا لحماية المدنيين الفلسطينيين، وتعاظمت الكراهية بفعل دعم نتنياهو وقادة التطرف الاسرائيلي لمثل هذه الاعمال.. كل يوم تقطع اشجار الزيتون على مرأى ومسمع اصحابها وبنقل حي ومباشر الى احرار العالم المزيف.. كل يوم يعدم فلسطيني لمجرد ان جنود الاحتلال وجدوا الاصرار الفلسطيني في ملامح وجهه للعيش بأمن وسلام.. اعدام لفلسطينيين على الحواجز العسكرية المنصوبة على بوابات المدن الفلسطينية..! ولن يكون الشهيد (علي ابو عليا) الطفل الذي لم يتجاوز 14 ربيعا آخر الشهداء الذين يقتلهم رصاص الحقد الصهيوني.. مستوطن ليس بمجنون ولا فاقد الاهلية جاء الاسبوع الماضي واضرم النار في (كنيسة الجثمانية) في القدس ولولا حرص المواطنين لما بقيت الكنيسة مكاناً للعبادة.
لم نستطع ايها السادة سرد كل شواهد التطرف الاسرائيلي ضد الفلسطينين، فالتاريخ حافل بالالاف الشواهد والحوادث التي تملأ كتب التاريخ وعيون اهل الضحايا. المفارقة الدرامية ان مندوب اسرائيل في الامم المتحدة (جلعاد اردان) اراد ان يظهر للعالم ان اسرائيل يمكن ان تحمي العالم العربي من التطرف بعدما اعلن انه اتفق مع مندوبة الامارات العربية المتحدة (لانا نسيبة) على مكافحة التطرف. بعدها جاء (ايلي كوهين) وزير الاستخبارات الاسرائيلية بتصريح يستخف بعقول الناس وخاصة ضحايا الارهاب والتطرف الصهيوني بان اتفاقية السلام بين الامارات واسرائيل مهمة لدعم الامن والاستقرار، وانها بمثابة تحالف ضد الإرهاب والتطرف، وستعزز التعاون ضد التهديدات المشتركة.
الحقيقة ايها السادة ان الاحتلال الاسرائيلي هو راس كل تطرف يضرب المنطقة، واسرائيل هي من تصنع الارهاب وتدعي محاربته في ذات الوقت.. امر في غاية الغرابة، من يشجع التطرف يدعي انه يستطيع محاربة التطرف.. انها اسرائيل التي تقف وراء كل حركات التطرف في العالم العربي بالمشاركة مع اجهزة الاستخبارات الدولية واهمها الاجهزة الدقيقة في واشنطن.
من يزرع الارهاب في بيوت العرب ومن يزود الارهابين والمتطرفين بالسلاح سراً وعلناً هو من يسعى للاتفاق مع العرب لتخليصهم من هذا الارهاب.. انها ليست مسألة فلسفية ولا تحتاج الى براهين لان هذا هو الباب الذي ضمن لاسرائيل دخول قصور الحكام العرب وسرقة ثروات بلادهم والعبث بعقول البسطاء من تلك الشعوب وتجنيد كل الادوات الاعلامية والاستخباراتية لتبقي تلك البلدان في حاجة الى من يعينهم على حماية بلادهم من التطرف والارهاب دون ان يعرفوا ان من يزعم حمايتهم من التطرف هو من يدخل التطرف من البوابة الخلفية الى دولهم.. وتدفع شعوبهم ثمن هذا من دماء الابرياء.. عندما يصحوا العرب ويستفيقوا من غيبوبتهم يكون الوقت قد مضى وخسروا بلادهم التي ستتقسم وثروات ابنائهم وكرامة اجدادهم التي على اساسها قامت دولهم وترعرت وكبرت.