لماذا السعودية أولا؟
لسببين: الأول أنها صاحبة المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت العربية عام 2002، وهي التي منحت المرجعية لمعاهدات السلام التي عقدت بين الإمارات والبحرين والسودان وقد تتبعها دول أخرى. وثانيا لأن السلام والتطبيع مع السعودية ليس كأي دولة عربية أخرى، السعودية بوزنها ودورها الخليجي والعربي والإسلامي وما لها من دور ديني واضح سيعني نهاية عملية السلام الشامل وسيفتح الباب أمام كل الدول العربية والإسلامية، وتداعيات ذلك ستكون كبيرة على مستقبل النظام السياسي السعودي ومرجعيتها وصدقيتها وعلى مستقبل القضية الفلسطينية برمتها لأنه سيحولها لمجرد نزاع على أمتار من الأرض، ولنزاع حول بعض الحقوق المعيشية. ومن تداعياته في الوقت ذاته ان يشجع ويقدم المبرر للجماعات المتشددة والدول الداعمة لها.
لهذه الأسباب قد تربط السعودية بين قبولها الرسمي ومبادرة للسلام عامة تكون ترجمة وتطبيقا للمبادرة العربية بآلية جديدة.
في هذا السياق يمكن ان نتوقع ونتصور بلورة مبادرة جديدة اللسلام تتبناها او تعلن عنها السعودية محورها وأساسها إنهاء الاحتلال والقبول الصريح من قبل إسرائيل بالدولة الفلسطينية، والقدس عاصمة لها.
هذه المبادرة لن تكون على غرار سابقتها المبادرة العربية التي جاءت كمبادئ عامة، المبادرة المطلوبة ستكون بديلا لـ"صفقة القرن" أولا، وتكون تفسيرا جديدا للمبادرة العربية، وقد تضمن وتشمل على الإيجابي في كل منهما. هذه المبادرة ستكون تفصيلية تتناول كل جوانب القضية الفلسطينية وأبرزها قضية الدولة الفلسطينية وهي التي ستشكل الأساس لها، بمعنى لا مبادرة للسلام مقبولة بدون القبول بالدولة الفلسطينية، وهذا القبول هو الذي سيكون مبررا لمناقشة الفلسطينيين في المرحلة الأولى لها وقبولها في نهاية الأمر.
والقضية الثانية، القدس، وهي قضية لا يمكن التنازل عنها ولا تستطيع السعودية او الطرف الفلسطيني أو أي دولة عربية بالتنازل عنها، فسيتم معالجتها من منظور ديني واسع، وتأكيدا لما تم الاتفاق عليه فلسطينيا وإسرائيليا سابقا. لكنها في كل الأحول لن تعود مقسمة بالكامل، القدس الموحدة وظيفيا. أما مشكلة اللاجئين، وكما جاء في المبادرة العربية، حل عادل وبالتوافق، وهو ما يعني موافقة إسرائيل، وهنا قد تبرز مشاكل التوطين، وإعادة التجنيس وتسهيل أبواب الهجرة مع إمكانية العودة الرمزية كما جاء في تفاهمات الرئيس عباس وأولمرت.
أساس هذه المبادرة الجديدة للسلام الدعم الإقتصادي وإعادة البنية التحتية ودعم المشاريع الإقتصادية في الأراضي الفلسطينية بما فيها بناء مدن جديدة لإستيعاب الآلا ف من الفلسطينيين الذين سيكون لهم الحق في العودة والعيش في الدولة الفلسطينية كتعبير عن حق العودة. وسيبرز في هذه المبادرة دور واضح للأردن وتلبية حاجاته في القدس وحاجاته الداخلية والحيلولة دون فكرة الوطن البديل.
ولعل السبب الرئيس في طرح المبادرة انه لا عودة عن التطبيع والعلاقات مع إسرائيل، فهذا خيار لا بديل عنه، وثانيا التحولات في الإدارة الأمريكية التي يمكن ان تجد في هذه المبادرة تشجيعا لها ومنحها دورا أكبر. وثالثا التحولات في موازين القوى الإقليمية وزيادة التهديدات والتحديات التي تشكلها السياسة الإيرانية والتركية. ولعل من أهم الأسباب النظر لإسرائيل من منظور جغرافي انها في قلب المنظومة الجغرافية العربية ولا يمكن إستئصالها، والبديل هو إحتوائها ودمجها في هذه المنظومة.
ومما يدعم هذه المبادرة بعض الإرهاصات والمؤشرات الإيجابية التي حدثت في اعقاب الغضب الفلسطيني على معاهدات السلام مع إسرائيل بعودة سفيري فلسطين إلى لإمارات والبحرين، وهذا مؤشر إيجابي وله دلالات سياسية عميقة، ورسالة من السلطة أنه لا تمانع السلام والتطبيع بشرط قبول إسرائيل بالدولة الفلسطينية وإنهاء إحتلالها ووقف عمليات الضم والإستيطان وهو شرط مقبول عربيا. والمؤشر الثاني اللقاء الثلاثي بين الإمارات والبحرين والأردن، وهو لقاء لا يمكن إستبعاد إحتمالات مناقشة مثل هكذا مبادرة لما للأردن من دور رئيس في الكثير من قضايا القضية الفلسطينية كالقدس واللاجئين والحدود ومستقبل الدولة الفلسطينية. والمؤشر الثالث والذي مر سريعا لكن له دلالاته تعزية ملك البحرين للرئيس محمود عباس بوفاة الدكتور صائب عريقات. وأخيرا اللقاء المفاجئ للرئيس بالملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السياسي، وما لهذا اللقاء من علاقة مباشرة بما يجري في المنطقة وبالخيار الذي يفرض نفسه اليوم وهو السلام. ما يعني ان اللقاء سيناقش مستقبل عملية السلام مع إسرائيل ومستقبل القضية الفلسطينية.
ومما يشجع على هذه المبادرة التحولات في الموقف السياسي الفلسطيني وابرزها عودة التنسيق والعلاقات مع إسرائيل وتفعيل الإتفاقات الموقعة، وهو ما يعني التمهيد للعودة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من جديد، ولكن في إطار بيئة سياسية جديدة عربيا وأمريكيا.
ما يعني الفلسطينيين عدم طرح "صفقة القرن" بأي شكل من الأشكال، والبديل كما أشرت مبادرة سلام جديدة تشكل مخرجا للمأزق الفلسطيني السياسي الذى وجدت السلطة نفسها فيه في ظل إدارة ترمب، والتحول الثاني وقف حوارات المصالحة، أو على اقل تقدير وضع شرط لها بالقبول بهذا الموقف الفلسطيني.
ومما قد يشجع على هذا الموقف الفلسطيني الذي يعتبر دافعا لهذه المبادرة الإدراك الفلسطيني انه لا بديل ولا تنازل أو تراجع عن الإستمرار في عملية السلام، ولا تريد السلطة ان تصل الأمور وترى نفسها وحيدة منعزلة. ولذلك أهمية الربط بين عملية السلام والمطالب الفلسطينية وهذه هي مقاربة فلسطينية جديدة. وهذا ما تدركه السعودية ولذلك حتمية الربط بين موافقة السعودية وطرح هذه المبادرة والتصور للسلام.
قد ترتبط هذه المبادرة بتسلم إدارة بايدن والإنتهاء من إستكمال عملية الإستلام وقد تستغرق شهورا، والأمر الآخر قد يتربط بالحديث عن انتخابات إسرائيلية جديدة وتشكيل حكومة جديدة، وهذا قد يستغرق شهورا خلالها يمكن إستئناف العلاقات العربية الفلسطينية وتنقية أجوائها من تداعيات عملية السلام مع إسرائيل.
هذه هي المقاربة العربية التي يبدو انها تلوح في افق سماء المنطقة والتي ستكتمل بالتطبيع العلني مع إسرائيل والثمن السياسي الذي تدرك إسرائيل ان السعودية لن تقبل بأقل منه بقيام الدولة الفلسطينيىة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وبها سيتم إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة وفي قلبها فلسطين الدولة. وهذا الموقف الثابت عبرت عنه تصريحات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان والأمير تركي الفيصل والتي حسمت ثوابت السياسة السعودية وفي قلبها فلسطين.