يحاول الناس تصديق الحديث عن التطور الإيجابي حول إمكانية إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما هو الحال مع التجارب السابقة، والإتفاق على ضرورة إجراء انتخابات لم تجر. قد يكون الإيحابي الرسائل المتبادلة بين رئيس حركة “حماس” اسماعيل هنية والرئيس محمود عباس، وموافقة الأول على طلبات عباس الذي أجرى مشاورات مع رئيس لجنة الإنتخابات المركزية حنا ناصر لتحديد موعد الإنتخابات.
وعلى إثر ذلك سيعلن عن موعد إجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر من تاريخ اصدار الرئيس عباس المرسوم الرئاسي، المفترض أن يصدره حتى العشرين من الشهر الجاري.
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2009، أصدر الرئيس عباس مرسوم رئاسي بتحديد موعد لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية حرة ومباشرة يوم الأحد الموافق 24 كانون الثاني 2010. وكان الاعلان قبل عام من انتهاء ولاية المجلس التشريعي المنتخب في كانون الثاني 2006، وجاء الاعلان كتهديد لحركة "حماس" للقبول بالوثيقة المصرية للمصالحة والتي جاءت نتيجة حوارات القاهرة في العام 2009، وهدد الرئيس عباس بالقول لن نقبل تأجيل الانتخابات إلا إذا قبلت حركة “حماس” وثيقة الورقة المصرية.
ليس هنا المكان لإستعراض تاريخ الإنقسام والخلاف، ومواقف حركتي "فتح" و"حماس" والفصائل الفلسطينية بشأن الإنتخابات وضرورة إجراءها مرفقة بشرط، أو مواعيد الانتخابات وحوارات المصالحة التي جرت خلال السنوات الماضية. والتي تضمت معظمها على ضرورة إجراء الانتخابات، والقول أنها خيار استراتيجي لديها ولدى القيادة الفلسطينية من أجل تداول السلطة وبشكل ديمقراطي، وأن صندوق الانتخابات هو الحكم ليقول الشعب كلمته في كل القضايا العامة.
يبدو أن الفلسطيين غير مدركين إنَ العالم قد تغير لكن ليس لمصلحتهم، حتى برحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزوال تهديده وصفقته، فتجربة الرئيس محمود عباس مع الادرات الامريكية السابقة كانت مخيبة لآماله، ومن الواضح ان الإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن لن تكون مختلفة عن سابقاتها. ولم يعد للفلسطينيين حلفاء بعد أن كانوا يقدمون العون والمساعدة أو الملاذ، فالوضع القائم في المنطقة العربية تعقد بعد الربيع العربي، وقبل ذلك سنوات من الضياع في ما يسمى المفاوضات والإنقسام والرهانات الفاشلة، والتطبيع العربي الإسرائيلي يسير بخطوات حثيثة.
ولم يتبق لهم رهانات سوى إيمانهم وشعورهم بالظلم وعدالة قضيتهم وصمود الشعب. إلا أن الشعور بالظلم وعدالة القضية وصمود الشعب لا يمكن أن يستمر للأبد، والوقت لم يعد يعمل في مصلحتهم، إذ انهم لم يحسنوا حتى الان التعامل مع الوقت وتوظيفه.
أن تتفق "فتح" مع "حماس" على إجراء انتخابات تطوّر ينظر إليه الناس بايجابية حذرة وبريبة أيضاً، في ظل استمرار المأزق الفلسطيني، وهما بحاجة إلى الخروج منه والتجارب السابقة والفجوات والتجديات لا تزال قائمة. ويتوجب عليهما التفكير في فكفكتها، وليس التسرع بالتوجه لإنتخابات تبدو تكتيكة من الطرفين اللذين يحاولان عدم تحمل مسؤولية القول أن احدهما أفشل إجرائها، بعد التحرك الذي بدأ بإجتماع الأمناء العامين للفصائل، وجولات الحوار التي عقدت بين رام الله واسطنبول والقاهرة وتسارعت وتيرتها ردا على موجة التطبيع العربي الإسرائيلي.
على الفلسطينيين توخي الحذر نظرا لأن هناك قضايا رئيسية والاتفاق على أجندة سياسية ما زالت عالقة، وكيف سيدعم الفلسطينيون المصالحة ولم يتم إنهاء الانقسام بشكل جذري وقضايا وتفاصيل مهمة مؤجلة وقابلة للتأويل والخلاف، وكيف سيتعاملون مع الواقع العربي المتغير.
الأجواء الإيجابية وإنتظار المرسوم الرئاسي فرصة مهمة لإعادة ترتيب النظام السياسي، ومن المهم أن يخطو الفلسطينيون هذه الخطوة، لكنها لا تنهي المأزق، إنما قد تقود إلى ذلك في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية. والقول عن الرهان على الضمانات التي قدّمتها الأطراف الإقليمية والدولية مبالغ فيها، وبعض المعيقات قد تصطدم بهذا المسار وتعطّله.
حديث المصالحة والوحدة الوطنية والديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة غير مقنع، ولن يغير من الواقع والخروج من المأزق، وهذا يفتح المجال للكثير من الأسئلة التي لا جواب لها حتى اللحظة، حول العلاقات العربية والعلاقة مع الاحتلال وممارساته وسياساته، وإنهاء الإنقسام والأجواء السياسية المشحونة والحريات العامة. وانعكاس ذلك على الاوضاع المتدهورة في غزة والضفة، ووضع المؤسسات الفلسطينية، والضبابية التي تعيشها القيادة الفلسطينية وإعادة علاقتها مع إسرائيل وانتظار بايدن، كل ذلك يشكك في حقيقة إنجاز الإنتخابات من دون إنهاء كافة الملفات العالقة.