الانتخابات الإسرائيلية الرابعة القادمة هي أقرب إلى الإستفتاء حول نتنياهو وبقائه في منصب رئاسة الوزراء. هي ليست حول برامج سياسية، وليست حول التسوية السياسية مع الفلسطينيين الذين ليس لهم مكانا فيها. المعركة الحقيقية للإنتخابات حول بقاء أو عدم بقاء نتنياهو رئيسا للوزرا، هي انتخابات بين يمينيين، يمين مؤيد لنتنياهو ويمين معارض يقوده المنافس الجديد جدعون ساعر وحزبه الجديد "أمل جديد" وحزب "يمينا" الذي يقوده نفتالي بينت.. الثلاثة وبصريح العبارة يعلنون منافستهم على منصب رئيس الوزراء.
جدعون ساعر الأوفر حظا بصغر سنه وكارزميته القليلة وبيمينيته الأكثر تطرفا يعلن: من يريد نتنياهو لا يصوت لي. وفي تبريره للإنفصال عن "الليكود" الذي تربى فيه يقول أنه يعارض شخصنة الحكم وعبادة الفرد ونهج إدارة الحكم، وانه لا ينتقد سياسات نتنياهو وما حققه، وهو يدرك أنه سيخسر بالمقارنة مع نتنياهو الذي يحكم بشكل متواصل منذ عام 2009، وهي أطول فترة حكم متواصلة، ولا شك تعتبر نقطة ضعف وليست نقطة قوة.
وبالعودة لنتنياهو الذي يطمع الفوز في الانتخابات القادمة تهربا من محاكمته بتهم الفساد الموجهة له. ليس صحيحا أنه لا يريد الذهاب للإنتخابات، بل يريد ان يحمل بيني غانتس وحزبه مسؤولية هذه الانتخابات موجها له ضربة قاضية. وهنا ما هي مصادر قوته ومصادر ضعفه؟ وهل سيصوت الناخب الإسرائيلي له؟ لقد ذهب نتنياهو للإنتخابات في المرات الثلاث الماضية وفي ظهره، كما يقال، ويدعمه الرئيس ترامب الذي قدم له الكثير من الهدايا السياسية أبرزها نقل السفارة الأمريكية للقدس واغلق مكتب القنصلية في القدس الشرقية واغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأوقف كل المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث، والدفع في قيام علاقات دبلوماسية مع أربع دول عربية. هذه المرة سيذهب للإنتخابات مع إدارة جديدة الخلافات الظاهرية معها واضحة، وكعادة السياسة الأمريكية تفضل رئيسا جديا للتعامل معه.
ومن نقاط قوته إتفاقات السلام التي وقعها مع أربع دول عربية مهمة تحت شعار "السلام مقابل السلام". ووعوده بعلاقات جديدة مع دول أخرى، ولا شك ان في فترة حكمه حققت إسرائيل معدلات نمو إقتصادية عالية وأقل نسبة بطالة. وأنه حقق إستقرارا للنظام الإئتلافي الحكومي، وحافظ على الهدوء مع غزة بإستثناء حرب 2014، والظهور بأنه هزم الفلسطينيين. وسعى دائما للتلويح بورقة الملف النووي الإيراني وأنه الأقدر على التعامل معها عسكريا بتوجيه العديد من الضربات لأهداف إيرانية في سوريا، وحتى في داخل إيران.
ويعتقد نتنياهو بقوة أنه لا بديل له في هذه المرحلة.. عناصر القوة هذه قد لا تشفع له في هذه الانتخابات، كما تشير إستطلاعات الرأي، فقد يفوز "الليكود" لكن نتنياهو سيكون الخاسر الوحيد. فمن أبرز التحديات غضب الرأي العام إلإسرائيلي بسبب "الكورونا" رغم أن نتنياهو يقول أنه قد جلب ملايين اللقاحات وأول من تلقى اللقاح، لكن حجم الإصابات وإرتفاع نسب الوفاة السبب لهذا الغضب. والسبب الثاني تهم الفساد التي تلاحقه وإمكانية محاكمته، ولهذا إصراره على البقاء في المنصب الذي يمنحه حصانة، وانه قد يوفر له البراءة السياسية في المحكمة مخيرا بين الحكم عليه وبين ما يمكن أن يترتب على ذلك من فوضى وفراغ سياسي، وبهذه الورقة قد يذهب للإنتخابات ببراءة سياسية، لكنها لن تكون كافية لإقناع الناخب ببرائته. وكما صرح غانتس أيضا أن نتنياهو قد أخذنا للإنتخابات حتى لا يدخل قاعة المحكمة.
ولا شك ان أحد أهم عناصر قوته التي سيفتقدها غياب ترامب، وسوف يفقد، كما يقول روفان هازان عالم سياسة في الجامعة العبرية، أكبر مكونات وأصول حملته الانتخابية. ولعل أكبر نقاط ضعفه إنسحاب جدعون ساعر ومعه ثلاثة نواب آخرين أبرزهم زئيف أليكن. وفي هذا السياق هي انتخابات وإستفتاء على شخصه وليس على القضايا الأمنية والإقتصادية والمجتمعية التي عادة ما تزدحم بها برامج الأحزاب المتنافسة.. ففي هذه المرة تتنافس الأحزاب اليمينية القوية والمسيطرة على الساحة السياسية الإسرائيلية بعد إنحسار وتراجع واضح لحزب "العمل"، والإنقسامات التي تشهدها "القائمة العربية". فالناخبون الإسرائيليون يرون صعوبة كبيرة في إستحضار قائد مختلف او نمط قيادة مختلف.
ويحرص نتنياهو على البقاء في المنصب حنى لو تمت محاكمته وسيقول أن الناخبين يفضلونه حتى لو كان مذنبا على أساس أنه لا بديل له، مما سيجعله في موقف أكثر أفضلية وقوة أمام القضاة. وإذا كسب المحكمة سيخرج على انه بريء سياسيا، الأمر الذي سيصعب موقف معارضيه. وكما كتب الصحفى يورام يوفال في "يديعوت أحرنوت" أن أمام نتنياهو طريقين، الأول ان ينهي حكمه والثاني طريق مكلف صعب على المستوى الإقتصادي.
ويبدو أن سفينة نتنياهو الكل يهرب منها، ليغرق لوحده. لكنه يبقى شخصية تملك الكثير ويحارب بكل الوسائل ليبقى رئيسا للوزراء. مشكلة نتنياهو لا يرى نفسه إلا رئيسا للوزراء، وهذا صعب التحقق في ظل خروج منافسه الجديد جدعون ساعر المدعوم من اليكن.
ويبقى أنها انتخابات لا جديد فيها.. هي انتخابات حول صراع الزعامة والمنصب، ستبقى انتخابات يمينية الفائز فيها اليمين ولا مكان فيها لليسار، وقوى السلام. وستقودنا لمزيد من التطرف والتشدد وستضيق الخيارات فيها على مستوى التسوية السياسية فلسطينيا. فإسرائيل الدولة والحكومة والأحزاب والمجتمع غير ناضجين للتسوية. ولا يبقى أمام الفلسطينيين إلا التخلي عن سياسة الإنتظار، وإسرائيل لا تعرف إلا الضغط والقوة لكي تتغير.