تتجاوز الانتخابات الفلسطينية الأهداف التقليدية المتعارف عليها من اي انتخابات تتمثل في تجديد الشرعية السياسية والمؤسساتية وتداول السلطة والمشاركة السياسية.
الإنتخابات الفلسطينية رسالة من الشعب الفلسطيني وترجمة لتعريف الديمقراطية التي تتلخص في كلمتين: نحن الشعب الفلسطيني. هذه هي الرسالة الحقيقية للإنتخابات، لأن الشرعية قد لا تتحقق مع الاحتلال ولا الغايات الأخرى للانتخابات بما فيها المؤسساتية التي قد تدوسها جنازير الدبابات الإسرائيلية، وتعيق عملها وتحولها لمؤسسات من ورق. فالشعب الفلسطيني أكثر تحمسا وتشوقا لهذه الانتخابات كما قبلها، وبالنسبة له الأمر اكثر من عملية تصويت والقاء صوته في صناديق الانتخابات.
هي رسائل يريد أن يرسلها:
الأولى ان الانتخابات تعتبر مقاربة مثل أي مقاربة سياسية كالمفاوضات والمقاومة، ولا تقل أهمية عن خيار المقاومة ذاتها، بل هي مقاومة سلميه يريد ان يعبر عبرها عن حقه في تقرير مصيره السياسي الذي أقرته الشرعية الدولية.. حقه في تشكيل السلطة التي يفوضها في التفاوض والسلام والمقاومة السلمية من أجل إنهاء الاحتلال، وفيها قوة للسلطة ونزع أي مبررات إسرائيلية ان السلطة غير شرعية ولا تملك حق ممارسة السياسة وينزع عنها صفة الإرهاب التي تحاول إسرائيل أن تلصقها بها، لأن السلطة المنتخبة لا تدعم الإرهاب بل تدعم الخيارات الديمقراطية.
ورسالة للمجتمع الدولي أن الشعب الفلسطيني يستحق دولته، وانه من النضج والوعي السياسي ما يسمح له بقيام دولة ديمقراطية.
ورساله ثالثة لإسرائيل أنها لست الوحيدة التي تتغنى بالممارسة الديمقراطية، وان إسرائيل واحة الديمقراطية وسط محيط من التخلف والكراهية، بل إن الشعب الفلسطيني ورغم الاحتلال والحصار يمارس السلوك الإنتخابي بدرجات تقترب من درجات ممارسة هذا السلوك في اكثر الدول ديمقراطية.
والإنتخابات تعني ان الشعب الفلسطيني ليس مجرد جماعات وأفراد وفصائل، بل هو شعب له هويته الوطنية والتاريخية والحضارية، وانه تواق لهذا الحق أكثر من رغبته في الطعام والماء، فهذا بالنسبة له حق سياسي وهذا أساس المشكلة الفلسطينية مشكلة حقوق سياسية وليست مجرد نزاع عقاري كما حاول جاريد كوشنير وصفها، فهذه الانتخابات تعتبر ردا بليغا على مثل هذه الإدعاءات، ولهذا السبب تحاول إسرائيل دائما أن تجهض هذه الانتخابات وتفشلها، لأنه ليس من مصلحتها ان يبني الفلسطينيون ديمقراطيتهم، إستنادا لمقولة السلام لا يصنعه إلا الشعوب الديمقراطية. بهذه الممارسة تسقط مقولة إسرائيل لا يوجد شعب ديمقراطي نقيم معه السلام.
ومن أهم رسائل الانتخابات ان الشعب يشكل أحد أركان الدولة الثلاثة، وبالإنتخابات يؤكد الشعب الفلسطيني على تأسيس العنصر الثاني من عناصر الدولة المستقلة وهو عنصر المؤسسات والسلطة وإن كانت ناقصة بسبب الاحتلال لكنها تأكيد على حقيقة هذه المؤسسات.
ويبقى العنصر الثالث وهو عنصر الإقليم المحتل، وهنا المسؤولية الدولية إذا أردتم السلام وأردتم الديمقراطية فعليكم إزالة الاحتلال الإسرائيلي. ورسالة يرسلها الشعب الفلسطيني عبر الانتخابات بتمسكه بخيار السلام الذي يحقق إنهاء الاحتلال وقيام الدولة، فالإنتخابات تزيل أي تخوفات ان الشعب الفلسطيني خياره الإرهاب والعنف، فالإنتخابات رسالتها السلام، ولذلك لن نجد أي برنامج سياسي لأي قائمة مشاركة، بما فيها "حماس"، يمكن ان تدعو لتدمير إسرائيل ورميها في البحر، بل كلها تطالب بالدولة الفلسطينية وبالحقوق الفلسطينية.
هذا وتأتي الإنتخابات الفلسطينية بعد الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية ولهذا دلالة سياسية عميقة وهي: كما لكم حكومات منتخبة لنا حكومة منتخبة شرعية مفوضة باسم الشعب الفلسطيني، وهذا يدعم ويقوي موقف الحكومة الفلسطينية في أي مفاوضات قادمة.
لهذه الأسباب الفلسطينيون تواقون للذهاب لصناديق الانتخابات، وهذه ليست المرة الأولى التي يسجلون أعلى النسب التي بلغت حتى الآن اكثر من 92 في المائة، شاركوا قبل ذلك في الانتخابات الأولى التي أفرزت رئيس يأتي بالإنتخاب وسلطة تنفيذية وتشريعية.. وفي الانتخابات الثانية والتي شاركت فيها "حماس" لكنها لم تستمر لأساب ليست فقط فلسطينية بل لقيام إسرائيل بإعتقال نواب الشعب وفرض الحصار على غزة.. واليوم تشارك "حماس" وكل الفصائل في الإنتخابات الثالتة التي تتم تحت مرجعية إنتخابات الدولة الفلسطينية.
ورغم هذه الحماسة الشعبية والمطالبة الدولية والعربية بها وبتوفير ضمانات نجاحها لكن لا أحد على يقين كيف يمكن أن تنتهي هذه الإنتخابات؟ وكيف يمكن التغلب على كل التحديات والمعيقات سواء في ممارستها او بعد الإنتهاء والتعامل مع نتائجها؟ وهنا تقع المسؤولية الدولية على توفير كل الضمانات لنجاحها.. وقبلها المسؤولية الفلسطينية ولها شكلان الأول ان تتم الانتخابات في أجواء ديمقراطية وبدرجة عالية من النزاهة والشفافية ودون أي تزوير، وثانيا القبول بنتائجها وتشكيل حكومة منتخبة لها حق التحدث باسم الشعب الفلسطيني والإلتزام بقراراتها، فهذه الإنتخابات قد تكون الأخيرة وقد تكون بداية لإنتخابات الدولة الفلسطينية المستقلة، فلا خيار إلا النجاح.