زيارة الرئيس بايدن لفلسطين ولقاء الرئيس محمود عباس الذي يلتقيه لأول مرة كرئيس، رغم أنه كان سبق له ان التقاه اكثر من مرة، هي زيارة مجاملة دبلوماسية كما يصفها البعض، فالزيارة تستمد اهميتها الدبلوماسية أنها زيارة للرئيس الأمريكي وفيها إقرار وإعتراف ضمني بالمطالب الفلسطينية.
وهذه الزيارة تأتي كما زيارات الرؤساء الأمريكيين السابقين للمنطقة لتكون فلسطين احدى محطاتها. فكانت الزيارة الأولى للرئيس بيل كلينتون ومقابلة الرئيس عرفات أولا في غزة وحضور لقاء المجلس الوطني الفلسطيني بمناسبة تعديل ميثاق المجلس الوطني والإعتراف بإسرائيل وكان أمل هذه الزيارة التوصل لإتفاق نهائي للصراع الفسطيني الإسرائيلي وقد تكون الأهم. وبعدها زيارة الرئيس بوش الأبن ومقابلة الرئيس محمود عباس وتلتها زيارة الرئيس أوباما ثم الرئيس ترامب وأخيرا الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن والتي يأمل الفلسطينيون أن تحقق لهم بعض المطالب، أبرزها العمل على إحياء ملف القضية الفلسطينية بعد التراجع في مكانة القضية.
ويأمل الفلسطينيون أن تعمل الزيارة على الربط بين القضية الفلسطينية والتطورات التي تشهدها المنطقة: أولا الربط والتأيد ان عملية السلام في المنطقة، وأن أي محاولة وسعي لدمج إسرائيل في المنطقة في صورة تحالف لن يتم بدون العمل على إنهاء الصراع في جانبه الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وثانيا التأكيد على ان هناك علاقة بين القضية وإستمرار الصراع والصراعات والعنف الذي تشهده المنطقة، فالقضية الفلسطينية المدخل لنزع أوراق كثيرة بيد القوى الإقليمية مثل إيران وسعيها لإمتلاك القوة النووية، والذهاب بعيدا بالتذكير بأهمية القضية في بعدها الدولي.
وإلى جانب هذه الملاحظات العامة هناك مطالب فلسطينية محددة قد تعيد المصداقية والثقة للسياسة الأمريكية وتدعم موقف السلطة الفلسطينية، وأبرز هذه المطالب أولا إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ورفع صفة الإرهاب عن المنظمة على إعتبار انها من اعترفت بإسرائيل وتبنت خيار السلام والتفاوض.
والمطلب الثاني إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وهو مطلب تعارضه إسرائيل بقوة لأنه يتعارض وسيطرة إسرائيل الكاملة على القدس وإقتراب الانتخابات النصفية للكونجرس وأيضا الإنتخابات الإسرائيلية.
والمطلب الثالث الضغط على إسرائيل لوقف السياسات الأحادية في القدس والأقصى، والتي قد تكون سببا في إندلاع حرب جديدة في المنطقة تتجاوز حدود المنطقة وتعرض مصالح كل الدول للتهديد بما فيها المصالح الأمريكية.
والمطلب الرابع الإيفاء بحل الدولتين الذي تتبناه الإدارة الأمريكية لفظا وليس فعلا.
والزيارة والتي لن تستغرق إلا ساعات قليلة جدا لن تخرج، كما اشرنا، عن زيارة مجاملة ودعم للسلطة والرئيس عباس وسيتم فيها زيارة كنيسة المهد كعادة من سبقوه، وزيارة مستشفى المقاصد الفلسطينية وهو أكبر مركز طبي فلسطيني في القدس كمؤشر على الموقف الأمريكي وزيارة ترضية، وتقديم الدعم المالي لحرص الإدارة الأمريكية على بقاء السلطة ودعمها والتهيوء لمرحلة ما بعد الرئيس.
وهذه الزيارة أصلا لإسرائيل، والرئيس بايدن يحمل ملفات وأولويات ليست فلسطين من بينها، لكن الإدارة الأمريكية تدرك أهمية بقاء العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية في حالة إستقرار وعدم تصعيد، فالزيارة تأتي في أعقاب الحرب الأوكرانية وما نجم عنها من تداعيات إقتصادية كونية أثرت على إقتصاديات الولايات المتحدة والعالم. وتأتي في اعقاب توقف المفاوضات الإيرانية الأمريكية بشأن التوصل لإتفاق نووي جديد، والهدف من الزيارة أصلا السعودية والعمل على إعادة العلاقات الإستراتيجية معها. وهدف الزيارة كما أعلن الرئيس بايدن العمل على دفع التكامل بين المنطقة وإسرائيل وخصوصا الدفع في إتجاه مزيد من العلاقات مع السعودية، والعمل على إحياء ما بدأ يتردد كثيرا وتتبناه الولايات المتحدة "ناتو شرق أوسطي" جديد يضم إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية النووية وتقليص الوجود الإيراني في المنطقة. وكذلك المطالبة بزيادة الإنتاج النفطي لإنجاح العقوبات المفروضة على روسيا وتقليص تأثير إمدادات النفط الروسي.
في سياق هذه الأهداف والأولويات المعلنة يبدو لنا ان القضية الفلسطينية ليست من بين هذه الأهداف، لكن الزيارة أيضا قد تأتي إستجابة للتيار اليساري في الحزب الديمقراطي، وزيادة دور الصوت العربي المؤثر في الولايات المتحدة.
ورغم كل ذلك لا ينبغي التقليل من الزيارة ولقاء الرئيس محمود عباس، وهذا كما اشرنا إعترافا صريحا بالمطالب الفلسطينية، وأن القضية الفسطينية ما زالت قائمة.
ويبقى، وهذا الأهم، العمل على الربط بين القضية الفلسطينية وأولوية الحل وقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وزيارة الرئيس بايدن للسعودية ولقاء قادة دول المنطقة وخصوصا الملك سلمان وولي عهده إلى جانب قادة مصر والأردن والعراق، وهذا هو الجانب المفقود في زيارة الرئيس بايدن لفلسطين بالربط بين المطالب الأمريكية والقضية الفلسطينية، فهنا طاولة المطالب قد تكون أكثر تأثيرا وحضورا على مسامع الرئيس بايدن، وهذا هو المطلوب فلسطينيا بالتنسيق عربيا.